المشي.

"المشي هو أفضل علاج"
- أبوقراط.

أبوقراط أو Hippocrates هو أبو الطب القديم. والشخص الذي وضع القسم الذي نقوم نحن طلبة الطب بحلفه عند تخرجنا من كلية الطب. بالطبع خضع هذا القسم للتعديل بما يتماشى مع العصر الحالي، والدين كذلك، ولكنه لا زال محتفظًا بروح أبوقراط فيه ووصاياه والبوصلة الأخلاقية التي صاغ بها قسمه هذا. تعتبر لحظة ترديد قسم أبو قراط، هي واحدة من ألمع اللحظات في حياة الأطباء. والأكثر تأثيرًا كذلك، لأنهم يتذكرون دائمًا هذا القسم في مراحل حياتهم، ويعملون به كذلك.

في الحقيقة أجد أن أبو قراط كان محقًا إلى حد كبير. فالمشيُ شيء رائع. فهو ليس فقط رائعًا على جانب الصحة الجسدية -يمكنك أن تفتح جوجل وترى الأمر بنفسك- ولكنه رائع على المستوى العقلي كذلك.

لطالما أحببتُ المشي، خاصةً عندما يكون مصحوبًا بالحديث مع نفسي. قضيت الكثير من اللحظات الجميلة وأنا أمشي، ناسجًا نقاشات وأحاديث وسيناريوهات متعددة أكون أنا بطلها،أو متحكمًا في تطوراتها وأحداثها. وكان لذلك تأثير جيد في عقلي. بنفس الطريقة التي تشاهد فيها فيلمًا جميلًا، أو تستمع لموسيقى لطيفة.

ألاحظ أنه يساعد المشي على تصفية العقل بصفة عامة، تصفيته، بما يسمح بالبث في أشياء ومواضيع، قد لا يتيح لك عقلك الولوج إليها في الأحوال الطبيعية. وأتذكر الآن أحد أصدقاء الكونت روستوف في رواية جتتلمان في موسكو، والذي كان يقطع ما يقارب الميل مشيًا في غرفته التي لا تتجاوز بضعة أمتار مربعة لأجل أن يفكر ويكتب، حتى أن سجادته كانت باليةً من كثرة المشي عليها.

ليس أفضل من المشي والانسياق وراء تتابعات الأفكار والتجليات الناجمة عنها، سوى المشي مع شخص تحبه بالطبع، فتصبح التجليات بين فردين، منسابةً بينهما كأنهما شخص واحد. يذكرني ذلك بتورو واتانابي بطل رواية الغابة النرويجية، حين كان يقطع مسافات طويلة مشيًا مع نواكو ممسيكن بيدي بعضهما البعض، متحدثين أحياناً، وصامتين في أحيان أخرى. وكان يصف بأنه يحب رؤية شعرها من الخلف، خاصةً وهي تربطه بشيء ما. لفت انتباهي أنه كان يجد للصمت في أثناء مشيهما معنًى. أعتقد أن ذلك مستوى غير مألوف من التماهي مع شخص تحبه. ليس الجميع بالطبع يفضلون الصمت كوسيلة تواصل -وأنا منهم-، ولكنك لا تملك سوى الإعجاب بالأشخاص الذين يستطيعون تطويعه لخدمة مشاعرهم.

على كل حال، المشي شيء رائع. يجعلك أفضل، وأكثر انتعاشًا. أعتقد أن أبا الطب كان محقًا تماماً، "المشي هو أفضل علاج".