قطط كثيرة ضالة.
في الشارع قطط كثيرة ضالة، أجل، مثلي ومثلك ومثل كل أولاء العابرين. أنظر لإحدى هذه القطط وأفكر: أتشعرين أنتِ أيضًا بذلك؟ بأن العالم، وبشكل مفاجئ تمامًا، أكبر منا بشكل مخيف لا يمكن تصوره؟ إنني -وأنتِ- ذرة في السواد العظيم الذي بلا نهاية، بل أقل، ولكن هذا هو السحر، فرغم الشعور بالخوف الناتج عن الضآلة اللا متناهية، إلا إن عقلي متيقن أنه، وبالداخل حيث النفس والروح والعقل، فالوجود أكبر، أكبر بشكل أيضًا لا يمكن تصوره. وكأني الذرة والكون في الآن ذاته، أتنفس فتتفجر عواصف الشمس المهولة، وأصمت فتتلاشى الذرة كأنها لم تكن. أتشعرين أنتِ أيضًا بذلك؟ ربما لا.
الأشجار أمام المستشفى تستمر في النمو، تنظر للسناء وتقرر أنها يحب أن تصافحها أو تعانقها أو تلقي لها ثمرة فتلتقطها. حين أعبر تحتها كل صباح، وحر يوليو يقتل شيئًا صغيرًا بداخلي كل يوم، أفكر في أنه يا حظ الشجرة، لا زالت تنمو، ولا زالت تقدم لهذا العالم شيئًا رغم كل شيء. بعد خطوتين أفكر: هل هي محظوظة، أم أنها فقط تمتلك شجاعة الاستمرار الممل رغم رداءة المحيط والمحيطين؟ لا أصل لإجابة؛ لأن حر يوليو يقتلها قبل ما أن تولد.
هذه الأيام، لدي رغبة مضنية في محو ذاتي، محو الكون ومحو الذرة، ربما لأننا وبشكل لا إرادي، نفطن أحيانًا للخجل المريع الذي يملأ دهاليز دواخلنا، خجلٍ من كوننا نحن، نحن بكل النواقص والقصور، نحن بكل المواقف الأخلاقية المشينة والخطوات الضالة والقرارات الأنانية التي لا يبررها سوى قرنَي الشيطان المتخيلَين اللذَين كلما نظرت في مرآة رأيتهما، ولكن الحياة لا تمنح الرغبات بناءً فقط على كم هي مضنية، ومحو الذات بالطبع هو أحد الرغبات غير المتاحة على القائمة اليوم. ما يربك الواحد منا هو المعضلة المرهقة، بسيطة التعقيد أو معقدة البساطة، التي تنص على أنه لكي تتخلص من الخجل الوجودي الساحق، ينبغي أن تحاول أن تكون شخصًا أفضل، ولكي تكون شخصًا أفضل، ينبغي أن تتقبل النسخ الماضية منكَ التي تملأك خجلًا، ولذلك فهي حلقة مزعجة، الهروب من آخرها يعني قطعًا البدء عنده.
يسأل أحمد بخيت في ديوانه بديع الجمال "الليالي الأربع" سؤالًا يمزق نياط قلبي تمزيقًا، سواء من روعته ومن واقعيته. يقول صديقي بخيت: "لماذا ليس في الإنسان. ما يكفي من الإنسان؟" وأتمنى أن أجد إجابة، أو على الأقل يكون بخيت قد وجد إجابة، فنحن جميعًا رفاق في الذعر والتيه، وأن يجد أحدنا إجابة، يعني أننا جميعًا فعلنا، أو أقلَّه سنفعل.
أيتها القطة الجميلة في الشارع الحزين في اليوم الطويل، مثلي أنتِ، تركضين وراء المعنى ثم لا تجدينه، فتخلقينه وتعلقينه بذيلك، ثم تركضين حوله. أيتها القطة الجميلة، اليوم -الثلاثون من يوليو-: هل أنت الذرة أم أنك الكون؟
حضرتك عبقري
ReplyDeleteمبسوطة إني اكتشفت كتاباتك
ما دامت مصر ولاده و فيها الطلق و العاده هتفضل شمسها طالعه برغم القلعه والزنازين " ❤️
ReplyDelete