مسودةٌ غير كاملة، حول ما الذي يصنعه العقل بنا.
يخطر على بالي الآن صورةً ما كانت على هاتفي منذ عام أو اثنين، مرسومٌ عليها محاربُ ساموراي، ومكتوب عليها "عقلك هو أفضل سلاح لديك"، ولقد ظلت هذه الجملة تلهمني لفتراتٍ طويلة في الماضي، على أنه، أعترف الآن، أن عقلك وإن كان آخر وأقوى سلاح في ترسانة أسلحتك، فإنك هالكٌ -لا محالة- إن انقلب عليك بشكلٍ وبآخر. وهذا مؤسف تماماً.
أتذكر بكل أسفٍ المتنبي وهو يخبر أنه لا يصح شيءٌ في العقول إن صار النهار يحتاج لدليل عليه. دعني أخبرك أنني أستيقظ كل صباح، وأتعرض للشمس، وأتناول فطوري، وخلال كل ذلك، أسمع همس الصوت داخلي يقول :أين النهار؟
في الحقيقة، يحدث أنه، يخبرك العقل بشيءٍ خاطيء. تعرف أنه خاطيء. ولكن الصوت داخلك، يهمس به طيلة الوقت، يضم سويًا أمورًا لا علاقة لها ببعضها، يضخمها، يحورها، يشوهها، ثم يؤذيك بها مرارًا وتكرارًا. يقول لك عقلك عن أمر ما، وتعرف أنه غير منطقي، ولكنك لا تملك قدرة التصرف وحيداً، وبالطبع وإن جاز لنا التحدث عنك وعن عقلك ككيانين منفصلين الآن، فإنكما في الحقيقة شيءٌ واحد، بالتالي، ما يهمس به عقلك، يصبح هو الحقيقة بداخلك، حتى ولو كنت يقينيًا تعرف، أن هذافالهمس المستمر المشوَّه، هو همس غير منطقي، وغير حقيقي، وغير ذي معنى، إلا أنك تتبع عقلك في النهاية.
ولربما، هذا ما يجعل عقلك -بجانب أقوى أسلحتك- هو أخطر أسلحتك، أخطرها على الإطلاق. إذ إنه لو انقلب عليك، أو بدأ يضع لمساته على الواقع -كما يفعل موراكامي في رواياته- فإنك ستعاني، ستعاني كثيرًا في الحقيقة.
ولب الألم ها هنا، أن المعاناة لن تكون ماديةً ملموسة، ولن تكون معنويةً أيضاً حتى، وأتلمس عجزًا تامًا للغة التي أحبها الآن، عجزًا عن وصف الصراع الداخلي الحقيقي الذي ينشأ من محاربة عقل المرء ضده لا معه، وترويعه لا تأمينه. ستكون المعاناة، بلا مغالاةٍ في الأمر، أنك لن تذوق لحظة سلام كاملة. لإن كل لحظة مشابهة، سيهاجمها عقلك مباشرةً.
Comments
Post a Comment