يصنع الإنسان الجحيم ثم يسكنه.





 في النهاية ستكتشف أن المخاوف كانت أكبر من الواقع، وأن عقلك كان يصنع أشباحًا من اللا شيء ووحوشًا من العدم، ثم يقول لك: انظر! مخيف جدًا. ستعرف أن المعارك الطاحنة التي دارت داخل الصحاري الشاسعة التي ينبسط فوقها وعيك، لم تكن سوى زوابع في فنجان، ولكنها استنفدتك حتى صرت هيكلًا عظميًا من المعنى، وصرتً تخاف كل ظل لا يؤبه له على حائط. ستدرك أن الهواجس التي كرهت لأجلها نفسك، كانت موجودة داخلك فقط، وأنك أمام العالم كنت إنسانًا عاديًا، لست قبيحًا ولا مشوهًا ولا مندوبًا ولا معيوبًا ولا مكروهًا ولا ملفوظًا من سياقات الحياة، كنت عاديًا، مقبولًا تمامًا، بل ربما في أحسن الحالات كنت أيضًا جميلًا. ولكنه سجن الذات الذي نخلقه ثم نعيش فيه، ثم نلعن الحياة لأنها لم ترفق بنا، في حين أننا نحن الذين لم نرفق بأنفسنا بدايةً، ولذلك أسقطنا تلك القسوة على الحياة والناس، فصرنا نلوم العالم على كل شيء. 


في عصر ذهبي ليوم شتوي هادئ حين تشرب القهوة وتدع الركض قليلًا، ستيبين لك أنك ربما كنت ضحية، ولكن الجاني كان أيضًا أنت، إنها المعاناة التي انطلقت منك ثم أصابتك، فلا تدري، هل تلوم نفسك أم تشفق عليها؟ هل ترحمها لأنها عانت أم ترجمها لأنها سبب المعاناة؟ 

الأسئلة كثيرة، ولكن كوب القهوة لا يعد بأكثر من الأسئلة، أما الإجابات، فإنها ذرات غيار تتجلى في رونق أشعة الشمس التي تخترق النافذة، تراها وتبهرك وتظنها قريبة وحقيقية، ولكنك لا تستطيع الإمساك بها. 


أيها الإنسان الذي يتدلى كتفاه من ثقل الأحمال، أيها الصديق الطيب، أيها الأخ الرقيق: تخفف من الحمل، لا تخلق الجحيم ثم تخطو داخله ظنًا منك أنك مجبر، أنت لست مجبرًا، أنت روح العليّ على الأرض، وهبته لك كانت الحرية. أيها الإنسان الذي أعياه السفر الطويل، قاوم نفسك.


Comments

Popular Posts