المنزل



 تسير في طريق لا ترى أبعد من مترين فيه، ولكنك تحملة بوصلةً صغيرةً وتنطلق متسربلًا باليقين بأن من يسير سيصل، ومن يؤمن سيجزى، ومن يوقن سيتسقر قلبه رغم نتائج فعل الأقدار. والبوصلة في حد ذاتها ليست ضمان شيء بالطبع، ولكنها حجتك أمام الرب، بأنك قد أخذت بالأسباب، وأنك قد عقلتها ثم توكلت، وأنك لم تتوقف رغم قصور الرؤية والوجهة، ولكنك حاولت. 


ولأن الطريق طويلة وتختبر الروح، فإنك تحتاج منزلًا. والمنزل هو فكرة، ومكان، وشعور، ولا بد أن الإنسان لم يخلق كلمة متعددة المعاني والانعكاسات مثل كلمة المنزل. في الحكاية تميل الحياة بكتفها فوق البطل فيصيبه الوهن، ثم تميل عليه مرةً أخرى فيصيبه التيه، ثم تتفرق به السبل، حتى إذا ما سأل أحدَهم ما هو المنزل؟ يجيبه: المنزل هو حيث كان القلب. 


والمنازل تحمل من السحر أوجهًا كثيرة، كالشمس التي تدخل فتبارك أجزاء المنزل خلال فرجات النوافذ، كمادة خام لرقة تهدهد قلوبنا، خاصةً حين تسقط على قطع الأثاث، فتشعر أنك في عالم سحري لو لوحت فيه بعصًا لبلغت النجوم، ولو قلت فيه كلمة طيبة لالتأمت جروح ظلت تنبض في قلب غيرك مئة ألف سنة. أنظر للأثاث المتوهج بسحر، ولا أملك سوى أن أفكر في أنه: سبحان الله خالق الجمال، والحمد لله على المنزل.. بكل معانيه وصوره. 

Comments

Popular Posts