ما لم نَعِشْهُ وبشكل ما عاشنا



 النظر في وجوه الغرباء يمنحني مشاعر غريبة، أشعر كأن هنالك عددًا هائلًا من القصص التي كان يمكن أن نتشاركها، بل ربما، في حيوات أخرى تشاركناها، ولذلك فما يجمعنا هنا والآن ليس فقط الوعي الجمعوي بأننا بشر نعيش نفس التجربة بأطياف ألوان مختلفة، ولكن ربما أيضًا كوننا نعرف بعضنا البعض في مكان آخر، أو كان يجب أن نعرف بعضنا البعض هنا، ولكن أحدنا أخذ منعطفًا صغيرًا مغايرًا في مفترق ما، وما تبقى هو فقط حنين باهت كأنه رائحة جميلة تأتي من مكان بعيد، تستشعر ذلك الحنين فيملأك الشجن، ثم لا تملك إلا أن تنظر في الاتجاه الآخر وتستكمل الطريق الذي أنت عليه. 


ربما لأجل تلك التجارب التي لم تحدث، والمشاعر التي لم نعشها، على الأقل هنا، فنحن نشعر برغبة في التربيت على كتف الغرباء، منحهم ابتسامة أو كوب شاي أو حديث عشوائي عن الطقس، فالغريب الذي يمسك عمود المترو بيد مشدودة، ربما قتلت معه الوحوش في عالم آخر وفداك بنفسه، فتشعر بمحبة غير مبررة تجاهه. والفتاة التي تسير في الشارع تحت شمس الظهيرة، ربما كانت في حياة أخرى صديقتك التي لأجل ثقل الحياة وأنيابها الخفية تركتها دون تفسير، ولذلك الآن تشعر بالأسى حين رأيتها. ربما وربما، وربما لا. التجربة البشرية تثقلني بكل ما عشته وكل ما لم أعشه وبشكل ما عاشني، ولكن في النهاية لا مفر من عيش الحياة التي نحن فيها، ومحاولة تجاهل آثار كل حياة أخرى. 

Comments

  1. صدفة سعيدة قادتني لمدونتك فذكرتني بزمن المدونات الجميل .. تمنياتي بالتوفيق

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular Posts