ضرس شاب مكافح مثلي.

أستيقظ من النوم باكرًا، وأبحث عن مسكن قوي. يبدو أن هنالك ضرسًا صغيرًا عنيدًا، يحاول شق طريقه في خلفية فمي. أشعر بالألم منذ عدة أيام، لا يريد الضرس الصغير جعلها معركةً سهلة. يبدو أنه يحارب بكافة جهده لخلق مساحته -حرفيًا- في هذا العالم.
إن جميعنا نحاول فعل ذلك أعتقد. كل منا يحاول شق طريقه، وخلق مساحة له في الحياة. كل واحد يسعى جاهدًا، أن يكون له مكان في هذا العالم. أن يترك أثرًا. لطالما كان الأثر الأهم بالنسبة لي في التراث الإنساني-الاجتماعي، هو جعل الناس يشعرون بشعور جيد. 

يبدو أنه كلما كبرنا وعركتنا الحياة أكثر، كلما ازداد تقديرنا للطف ونشر المحبة. لا شيء أكثر خفةً وبهاءً من ترك لمحات من اللطف في ذاكرة الناس حولك. بحيث أنه، لو قدمت لهم تصرف لطف بسيط، غمرتهم لحظة خفيفة من السكينة. ربما لن يتغير عالمهم، ولن تنحل عقد حياتهم المتشابكة، ولكنه على الأقل، سيشعرون أنه، ربما يستطيعون المواصلة ليوم آخر. وصدقني، قد يكون ذلك أهم من كل المساعدات الأخرى الممكنة. أحياناً، كل ما يحتاجه الناس، هو قول طيب في يوم عصيب.

أعود للضرس الشجاع -الذي يؤرقني رغم ذلك-، وأفكار في أنه، كان الله في عون كل من يعاني في هذا العالم. لا يمكنني النظر لآلام الضرس كشيء ضخم أو محوري -حتى ولو كان كل ألم ضخمًا ومحوريًا-، ولكن ما يحدث هو أن المعاناة البسيطة التي تتعبنا، تجعلنا تلقائيًا نفكر في المعاناة الأكبر التي يحملها بقية الناس. آلام وأوجاع لا يمكن تخيلها. إنني أشعر بالأسى لأجل كل هؤلاء، فعلاً، من صميم قلبي. أساندهم بالدعوات والصلوات، وبمشاعر التقدير لمعاناتهم، وأهدئ روعي -وخوفي التام من وجود هذا القدر من الألم في الحياة- بالتفكير في أن هنالك رب عادل قادر رحيم في السماء، يعطي كل واحد على قدر طاقته واستطاعته ويوزع الاقدار بحكمته التي لا تقبل التشكيك. فالمزارع الذي يزرغ في حقله، والمحارب الذي يحارب الوحوش الأسطورية، كل واحد منهما معه من اليقين والاستطاعة، ما يتحمل به قدر الله.

يحاول ضرسي شق طريقه بثبات، وكذلك يفعل كل واحد منا. وأحب كلما خفت الثبات في عقلي وتساوى الحابل بالنابل، أن أتذكر غسان كنفاني وهو يقول:
"لك شيء في هذا العالم، فقم". 

Comments

Popular Posts