رفيق الحافلة غريب الأطوار -قصة قصيرة-
كنت في انتظار الحافلة. تلك التي يفترض أن تقلني لمدينة مجاورة، تبتعد عن مدينتي الحالية مسافة 60 كيلو مترًا.
جلست في مكان المخصص للانتظار، أخرجت من حقيبتي الصغيرة كتابًا متوسط الحجم، وحاولت جاههدًا إجبار عقلي المشتت على القراءة فيه واستعياب ما تمر عليه عيني، فهذا، ورغم كل شيء، يظل أفضل من الانتظار السادي لقدوم حافلة لن تأتي قبيل ساعة على الأقل.
ولا يمكنني أن ألوم سوى نفسي لخروجي من المنزل مبكرًا؛ لعدم تيقني من ضبط ساعتي جيدًا، والذي جعلني أخرج مبكرًا بهذا الشكل. لذا، ومع هذه الحيثيات، قررت قتل الوقت ببعض القراءة، عل الأمر يفلح.
بعض مرور عشر دقائق، وجدت أحدهم يجلس بجواري، ينتظر الحافلة هو الآخر. لمحته بطرف عيني أثناء القراءة. يبدو شابًا في نهاية العشرينات، يرتدي سترةً غير ملائمة لطقس تصل حرارته إلي تسع وعشرين درجة. ونظارةً صغيرة العدسات وبلا إطار.
حاولت أن أعتصر تركيزي مرةً أخرى، وأكمل قراءة. بعد بضع دقائق، أخرج صاحبي هذا علبة عصير من حقيبة ظهر، كان يضعها على الجانب الآخر. وبدأ يرتشف منها. ذوقيًا، عرض عليّ، فابتسمت وشكرته. ثم أكملت قراءة.
"هل تنتظر الحافلة منذ الكثير من الوقت؟ " بادرني بهذا السؤال وهو يشرب عصيره.
"منذ عشرين دقيقة على الأغلب." رددتُ. أومأ لي برأسه ثم صمت. لم تكد تمر دقيقة، حتى تحدث مرةً أخرى.
"أتدري، ربما لا تأتي الحافلة، ليس كل انتظار، يثمر في النهاية بما تريد. فجلوسك الآن، منتظِرًا، لا يضمن لك على الإطلاق أنها ستأتي، أو أنك ستستقلها، أو أنك ستذهب إلى حيث تريد." فاجأني بكلامه هذا دون النظر إليّ، وإنما كان ينظر أمامه ويعبث بعلبة العصير بيده، والتي بالكاد تناول منها حتى الآن رشفةً أو اثنتين على الأكثر.
لم أجد شيئًا مناسباً أرد به على هذا الخطاب الفلسفي. ولكنني كذلك، وجدته سيكون غير ملائم أن أصمت تماماً ولا أرد.
"ولكننا لا ندري، أليس كذلك؟ لا ندري إذا كانت الحافلة ستأتي أم لا. وربما قد يبدو الأمرُ، أننا أمام احتمالين متساويين: ستأتي/لن تأتي. ولكن الأمر ليس كذلك. إذ الطبيعي أن تأتي. هذا ما يحدث كل يوم، أو، لنقل معظم الأيام تقريباً. ولذلك عندما نجلس هنا وننتظر، نتوقع المعتاد فقط، حتى يأتي ميعادها، ولا نراها قادمة، فنعرف وقتها، أنها على الأغلب لن تأتي. أما قبل ذلك، فافتراض عدم قدومها، يكاد يكون بلا معنىً، إذ إن ميعادها لم يأتِ بالفعل، وإنما نحن اللذان خرجنا من منزلينا مبكرَين." وأنا أنظر لشجرة الفيكس الضخمةِ للغايةِ التي تقع على طرف الطريق الآخر، رددتُ عليه هذا الرد المطول، والذي فرضه عليّ عمق سؤاله. لطالما كان الإيجاز ليس شيئًا أتقنه أو أحبه. أستطيع عرض أفكاري فقط إذا أسهبت بالحد الكافي لفعل ذلك. وهذا ما فعلته الآن. وشعرت بالرضا قليلًا عن إجابتي.
"أنت محقٌ تماماً." قال ذلك ببساطة، وارتشف رشفةً أخرى من العصير الذي لا بد وأنه بدأ يفقد برودته الآن.
بضعة دقائق، ثم خطر لي سؤال آخر.
"هل تعتقد أنها ستأتي؟"
"نعم، أعتقد ذلك. لأنه كما قلت، الطبيعي أن تأتي. لذا نقوم نحن أيضاً بالطبيعي، ألا وهو انتظارها. أما ما سيحدث بالفعل، فليس اختصاصنا. فإذا أقدمت في ميعادها، فهذا هو ما يفترض حدوثه. وإن لم تقبل، فلنقل أنه مجرد حظ عاثر اليوم."
"هل تؤمن بالحظ؟" باغتُّهُ بهذا السؤال.
" لا، لا أؤمن به إطلاقاً. ماذا عنك؟"
"مثلُك تماماً."
"فهمتُ." قلت له ذلك. ثم أخرجت زجاجة ماء من حقيبة ظهري، إذ كنت بدأت أشعر بالعطش. شربت قليلًا حتى ارتويت، ثم أغلقتها ووضعتها بجواري مرةً أخرى.
"ما الذي تقرأه؟" سألني وهو يحدق للكتاب الذي أحمله بيدي.
"شجرة تنمو في بروكلين."
"آه. فرانسي كانت فتاةً رائعةً للغاية، أليس كذلك؟"
"لقد كانت كذلك بالفعل. وكانت تحب أخذ نصيبها من القهوة السوداء، ثم رميه في المجلى بعد ذلك دون أن تشربه. كان ذلك يعطيها شعورًا طيباً بأنها يمكنها التخلص من الأشياء كما يفعل الأثرياء." قلت ذلك متذكرًا إحدى الأشياء التي كانت فرانسي تقوم بفعلها. والذي ربما لا يبدو مهمًا إطلاقاً. ولكنه عَلِق في عقلي لسببٍ ما.
أومأ ذو السترة برأسه ثم تحدث ثانيةً. "إنها رواية رائعة. وسابقة لزمانها. كتبت في ثلاثينات القرن الماضي. وهي الرواية الوحيدة لكاتبتها. إنها واحدةٌ من تلك الروايات، التي تستطيع تفاصيلها إن تسرقك تماماً. بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فتشعر بالسعادة وأنت تقرأ، لا لأن الأحداث تتحرك، ولكن لأن التفاصيل تُغزل أمام عينيك وكأنك أحدها، وكأنك، تعيش داخل هذه التفاصيل. الطعام والأماكن والنقود القليلة والمشاعر الطفولية. تشعر بكل هذه الأشياء. إنها رواية رائعة."
"أنت محق تماماً." لم أستطع الرد بشيء سوى هذا، وشعرتُ أنني أقلده قليلًا.
"تكبر فرانسي لتصبح كاتبة روايات كبيرة. تتزوج مرتين. في المرة الأولى يموت زوجها في الحرب. وبعدها بعشر سنوات، وفي منتصف ثلاثيناتها، تلتقي زوجها الثاني. وتكمل باقي حياتها معه. وفي مرحلةٍ ما تصبح ثريةً للغاية من جراء الكتابة." قال صديقي ذو النظارة عديمة الإطارات.
اندهشت قليلًا. أو كثيرًا لكي أكون صريحًا. ربما مر عام أو يزيد على قراءتي للرواية، ولكنني بالفعل أتذكر نهايتها جيدًا. تتزوج الأم رجلاً عسكريًا قديمًا، ومقتدرًا مادياً. وتكون هذه هي بادرة التحسن المطلق في حياة فرانسي وعائلتها. هكذا فقط.
لذلك بعد بضع لحظات من التفكير. استفسرت عما سمعت.
"ولكن كيف عرفت ذلك؟ لقد انتهت الرواية وفرانسي في فترة المراهقة، وأمها على أعقاب زواج جيد. هل تتخيل ما سيحدث بعدها أم ماذا؟"
"لا، لا أتخيل. لقد تحدثت مع الكاتبة بعد عامين من صدور الرواية. وهي أخبرتني بخط الزمن المحتمل لحياة فرانسي." قال ذلك بهدوئه الذي بدأ يصبح مستفزًا لي، وكأنه يخبرني أنه تناول خبزًا وبيضًا على إفطاره اليوم، وأن البيض كان لذيذًا.
"ولكن ما الذي تعنيه بأنك تحدثت مع الكاتبة بعد عامين من صدور الرواية؟ لقد صدرت الرواية، كما قلتَ، في ثلاثينات القرن الماضي. كيف يمكن فعل ذلك؟" حاولت صياغة أكثر سؤال متعقل وبديهي كاعتراض على ما قاله منذ قليل.
لم يرد مباشرةً، نظر للسماء في هذه اللحظة. كان هنالك سرب ضحك من الطيور يمر، فيما يبدو كهجرة جماعية. كانت طيورًا كبيرةً نوعاً ما. أقصدُ، بالنظر للمسافة التي تطير عليها، فلو كانت حمامًا أو غربانًا أو أي شيء مشابه، لبدت أصغر من ذلك.
"العنز طيور رائعة. حجمها يجعلها مميزةً دائمًا حين تحلق في السماء. ولها لحم جيد أيضًا." قال متجاهلًا سؤالي منذ قليل وكأنه لم يكن.
رأيت هجرة العنز مرةً واحدةً في حياتي. كنت طفلاً صغيرً، ولفت انتباهي حجم الطيور في السماء. سألتُ أبي، فأخبرني عنها، وكيف كانوا يصطادونها في صغرهم ويطاردونها.
"لم أر هجرة العنز منذ طفولتي." قلتُ له، محاولًا التحكم في أعصابي، وإقناع نفسي بأنه سيعود لسبر الغموض عن نقاشنا الذي دار منذ قليل مرةً أخرى.
"آه. أعرف ذلك. وأعرف أيضًا عن النقاش الذي دار بينك وبين والدك." قال بهدوء، وبتعبير مسالم للغاية على وجهه.
"هل أنت وسيط روحي من نوع ما؟" سألتُ بشكل مفاجئ، إذ لم أعد أحتمل هذه الألغاز الغريبة.
"ربما كنت وسيطًا روحيًا، وربما لا. أنت تدري، وضع الأشياء في مسميات، يقيدها قليلًا. أو يفشل في توصيفها كما هي عليه بالضبط. لم أفكر في الأمر من قبل أعتقد." ارتشف رشفةً من العصير، ثم أكمل دون أن يترك لي فرصةً للرد.
"كنتُ أرتحل وقتها بحثًا عن بعض الأشياء، وتوصيلًا لبعض الأشياءُ بعضها ببعض. كانت الرواية ما زالت طازجة، وتشق طريقها نحو الشهرة الكاسحة التي ستجعلها عملًا أدبيًا فريدًا. ولقد أحببت فرانسي. جدًا. لذلك انتابني ذلك الفضول الذي يدفعنا لمعرفة مصير الشخصيات بعد نهاية حكاياتها. أتتذكر رواية The fault in our stars؟ ألم يكن للبطلة، رغبة مشابهة لذلك، جعلتها تسافر لبلد آخر، فقط لسؤال الكاتب عن مصير شخصيات رواية كانت تحبها؟ بالطبع تتذكر. أعلم أنك قرأت الرواية في عامك الثاني من الجامعة. أياً يكن، أنا أيضًا دفعني الفضول لذلك. فذهبت لزيارة الكاتبة. شربنا كوبين من الشاي في أحد الصباحات الشتوية. وخلال ذلك باحت لي بخط السير المحتمل لحياة فرانسي مما هو في عقلها."
انتهى من عبارته وبقيت صامتًا أنا أيضًا. لم أجد ردًا مناسبًا نظرًا لبطء السرعة التي عملت بها تروس عقلي لاستيعاب ما قاله. لاستيعاب أنه، ليس فقط لم يكن حياً منذ قرابة التسعين عامًا ويجول العالم، وإنما أيضًا لكونه يعلم تحديداً متى قرأت رواية the fault in our stars.
يمكنه أن يخدعني فيما يخص لقاءه ببيتي سميث، فهذا مهما كان، مجرد كلام فقط بدون إثبات. ولكن، أن يخمن -بدقة تصل ل100%- الوقت الذي قرأت فيه روايةً واحدة من مئات الروايات؟ أن يخمن أساساً، أنني قمت بقرائتها، برغم تحويلها لفيلم؟ هذا شيء صعب. ولا يمكن تجاوزه باعتباره مهارةً شخصية. ولكن، إذا اعتبرتُ ذلك، شيئًا يمكنني الاقتناع به، وهو صعب.، ولكني سأفترضه، فلا يمكنني، إطلاقًا، تجاوز أنه، وبشكل خارق أيضًا، قد علم بأنني في طفولتي خُضت نقاشًا عشوائيًا مع والدي عن العنز. طيور غير مشهورة بالمرة.
استغرقت في أفكاري لتحليل الوضع قرابة العشر دقائق تقريباً، ثم بدأتُ الحديث مجددًا.
"تطلبُ مني عدم تسمية الأشياء، بمسميات محددة. لأن ذلك -ماذا وصفته؟- يقيدها أو يفشل في توصيفها. ولكن المسميات تعطي بعض الفهم على الأقل. أليس كذلك؟ تطلب مني عدم تسميتك بوسيط روحي، ولكنك مع ذلك، تخبرني أشياءً، حسنًا، لا يمكن للعقل تقبلها وكأنها حقائق يومية كالذهاب للماركت المجاور للمنزل وشراء بعض لوازم البيت. ألا تتفق معي في ذلك؟" أخبرته وأنا أعبث بزجاجة الماء في يدي.
"أنتً محقٌ تماماً. لك ذلك. تسمية الأشياء تضفي بعض الفهم على الصورة الأكبر. هذا لا خلاف فيه. عندما تقول أنك طبيب، فهذا يعطينا، تصورًا دقيقًا لما تفعله في حياتك. وما درسته. وما هي الموضوعات التي تتعامل معها. أنت محق. ولكن، هذا لا يعارض ما قلتهُ تمامًا. في أن التسمية، تقيد الأشياء قليلًا. فكر في الأمر. تسميتك لنفسك بطبيب، تشرح جانبًا مهمًا بالفعل. ولكنها، تغفل جوانب أخرى عديدة. أليس كذلك؟ والأمر ها هنا، يتوقف على ما تريده. هل تريد إعطاء الأشياء معنىً، أم، النجاح لحد ما في توصيفها؟ على كل حال. إن أردت تسميتي بوسيط روحي، فلك هذا. ربما أنزعج قليلًا، وأشعر ببعض الإهانة ربما، نظرًا لأنه، يُعرف عن الوسطاء كونهم دجالين. وأنا أحب أن أنأى بكينونتي عن ذلك. ولكن لك هذا. ما دام سيشعرك ببعض الأريحية. خاصةً وأن نقاشنا سيطول قليلًا أعتقد. هنالك حادث في مكان ما. ربما يكون ذلك سبب تأخر الحافلة." أنهى كلامه، ثم نظر نظرة مطولةً نوعًا ما للطريق، وكأنه يرى الحادث من هنا بعينه المجردة.
شعرتُ مرةً أخرى بتروس عقلي تتعطل وتتشابك، بما لا يسمح لها بالعمل بشكل طبيعي. ماذا أراد أن يقوله بالضبط؟ لا أدري. حسنًا سأحاول أن أهدأ. ثم أعيد صوغ ما قاله.
أرتشف بعض الماء الذي يبدو لي أن له طعمًا ما، ثم أعود لتروس عقلي مرةً أخرى محاولًا دفعها إلى أقصى ما تستطيعه. حسنًا، يمكنني تلخيص ما قاله، في أنه وسيط روحي من نوع ما. ولكنه يأنف من وصفه بذلك. ربما لأنه أمهر، أو بشكل ما أكثر علمًا وتنورًا.
هذا يمكن أن يكون كذبًا. هذا وارد. ولكن، مما قاله لي، فهو بالفعل أكثر مهارة وحنكة. أقر له بذلك. إذن فهو وسيط روحي. هذه هي النتيجة النهائية حتى الآن.
"إذن أنت وسيط روحي، من نوع ما. أكثر مهارة، أو تنورًا، ولكنك في النهاية وسيط روحي. أو، وابتعادًا عن التوصيف الذي يرهقك، أنت شخص تمتلك بعض القدرات الخاصة. لا فقط معرفة الأشياء، ولكن أيضًا، تمتلك وجودًا غير عاديٍّ في الزمن، هل أنا محق حتى الآن؟"
"أعتقد هذا. أجل. أنت محق إلى حد كبير." قال ذلك، ثم خلع نظارته، ومسحها بمنديل لم أعرف تحديداً من أين أخرجه. ارتدى النظارة مرةً أخرى ثم استأنف حديثه.
" أتعرف ما المشكلة؟ أن الناس، يظنون الوسطاء الروحيين، كليي المعرفة والقدرة. وأنهم يعرفون كل شيء. وهذا في الحقيقة، شيءٌ محال. فلا أحد كذلك بالفعل، أو يقترب من ذلك حتى. وهذا ما يجعلهم بعد ذلك، يميلون لتفسير كل شيء، بشكل ميتا فيزيقي. يتضمن استخدام هؤلاء الوسطاء لقدرات خزعبلية، لعمل أي شيء. بالطبع نستخدم قدرات خزعبلية، لا أنكر هذا، ولكن، ليس لعمل توافه الأمور. فأنت مثلاً، تظن الآن أنني قد أخرجت هذا المنديل الذي مسحت به عدسات النظارة من العدم. في حين أنني أخرجته من علبة مناديل عادية. أنت فقط لم تكن منتبهًا. ففسرت الأمر بشكل ميتافيزيقي. صحيح؟ المشكلة، أنك ستكرر ذلك الآن. وستظن أنني قرأت أفكارك بشكل سحري ما. في حين أن الأمر كله، كان مجرد خدعة ثم بعض الاستنتاج. أخرجت المنديل سريعاً، ثم توقعت أفكارك فقط. لا أكثر من ذلك. على الأقل الآن."
صدمني كل ما قاله. وأشعرني بأنني طفل ساذج يرى ساحر السيرك لأول مرة. ولكن، أعني، من يرى وسيطًا روحيًا كل يوم؟ بالطبع لا أعلم عنه، أكثر مما تتيحه لي الثقافة الشعبية. ولكنه ذكي للغاية. واستخدم ذكاءه الآن لا قدراته.
"أنت محق أعتقد. ربما لم أتبادل الرأي مع أحد آخر، حول ما يعنيه، أن يكون أحدهم وسيطًا روحيًا. ولكن على الأقل أعتقد أنني وقعت في شراك الأمر. ولكن، فكر في ذلك. انت شخص تعيش منذ سبعة عقود، وتعرف شيئين عني لا يمكن توقعهما حسبما أظن. فلا بد إذن، أنني سوف أفكر بهذا الشكل."
"أجل ربما يكون لديك وجهة نظر في ذلك. أجل ربما. ولكنني على الأقل أعطيتك نصيحة، حتى إذا ما قابلت أي وسطاء روحيين في المستقبل. أنت تعلم. العالم غريب."
"العالم غريب." رددت وراءه، شاعرًا بأنني لا أجد شيئًا أقوله غير ذلك. وأن التروس في عقلي، قد عطبت للغاية، من نقاش كل هذه التفاصيل الدقيقة، عن كون المرء وسيطًا روحيًا، أو ذو قدرات ميتافيزيقية. أصبح الماء الآن دافئًا. ولكن حلقي كان جافًا للغاية. فارتشفت بعض الماء. ثم لفنا الصمت بعدها لما يقرب العشر دقائق.
تذكرت شيئًا قاله منذ قليل، ولكنني تجاوزته ونسيته في غمرة حديثنا عن الوسطاء الروحيين. وهو وقوع حادث في مكان ما. ربما يكون سبب تأخر الحافلة.
"قلت أن هنالك حادث ما، أليس كذلك؟
" بلى. هنالك حادث بالفعل. ولكن ربما لا يكون سبب تأخر الحافلة. الاحتمالات متعددة"
"إذن هل ستأتي في النهاية؟"
" لا أدري. ربما تأتي. وربما لا تأتي. ألم نتفق على ذلك بالفعل في البداية؟"
"حسنًا ألا يمكنك، بشكلٍ خزعبلي ما، أن تعلم هل ستأتي أم لا؟"
ضحك رفيق الحافلة غريب الأطوار للمرة الأولى منذ بداية هذا الحديث. "في الحقيقة، لا أحبذ أن أخبرك بذلك تحديداً، ولكن... " صمت لثانيتين ليزن كلماته. ".. يمكنني أن أستخدم قدراتي "الخزعبلية"، لإخبارك عن سبب هذا الحادث.
حسناً. هناك شاحنة نقل ضخمة، اصطدمت بسيارة ملاكي عائلية. وأدى ذلك لانغلاق الطريق لمدة نصف ساعة. أدى، سيؤدي، لا يهم تحديداً. المهم أن هذا هو ما يحدث. وبالتالي ونظرِا للإصلاحات في الطريق، أدى ذلك لخلق نقطة اختناق مرورية، ستجعل مرور الحافلة التب ستسقلها شيئًا مستحيلًا الآن.
سائق الشاحنة رجل أربعيني، سأتجنب ذكر اسمه. عندما استيقظ، كانت زوجته قد استيقظت بالفعل. وكانت قد أعدت بعض البيض المقلي والتوست. ولكن التوست كان محمصًا أكثر من اللازم. أزعجه الأمر. لم يزعجه تحديداً، هو فقط كان غريبًا. فهي -أي زوجته، المعلمة- تعلم أنه لا يحبه محمصًا للغاية هكذا. كان ينوي تجاوز الأمر. ولكنه قرر في النهاية أن يسألها. عندما فعل، أخبرته بأنها نست الأمر. هز رأسه بصمت وسكت. ولكن الأمر قد زاد من انزعاجه. إذ إنه، كان ليتقبل حجةً مثل التهائها عن التوست بعمل شيء آخر. أو مثلاً، نسيته تماماً حتى تحمص بهذا الشكل. ولكن أن تنسى؟ فذلك سيء. سألها من جديد كيف تنسى شيئًا يفعلونه كل صباح منذ الكثير من السنين؟ فردت عليه، بأنه قد نسيت، وهذا هو ما حدث، والأمر لا يستحق. لم تكن تصيح وهي تقول ذلك، ولكن نبرتها تغيرت قليلًا. قليلًا بما يكفي لملاحظة الأمر. وكأنها، في عقلي، رفعت مستوى حدة الصوت بمقدار درجة. أزعجه الأمر أكثر وأكثر. كل مرة كان يشعر بالانزعاج، كان يحاول تجاوز الأمر، ثم يفشل في ذلك، فيسألها. وهذا ما حدث هذه المرة. ولكن هذه المرة عندما سأل، وكانت نبرته قد تغيرت هو الآخر بالفعل، نظرًا للردود العشوائية التي قالتها، كانت النار قد أُضرمت بالفعل. وتوالت الردود، المتزايدة في الحدة، حتى وصلت إلى مستوى الإرهاق للغاية لكلا الطرفين. أخذت تبكي. ولم يعلم ماذا يفعل. حاصرته مشاعر الذنب والغضب. كلاهما سويًا. ربت على كتفها، أو حاول على الأقل؛ إذ لم تسمح له بذلك كفاية، وتعللت بدخولها الحمام بعدها. وكان هو، مضطرًا للمغادرة، فأمامه رحلة طويلة من رحلات عمل الشركة. والتأخير يجلب عليه سخافة مديره الفرعي المباشر. فاضطر للذهاب أخبرها أنه يحبها وهي في الحمام، ثم ذهب. بعد بدء الطريق بربع ساعة، ومحاصرة الذنب له، قرر أن يتصل بها. رفع الهاتف وطلب الرقم، وفي أثناء محاولته فتح السماعة الخارجية، سقط الهاتف منه، حاول مد يده لجلبه، وبالطبع أنت تعرف ماذا يحدث عند هذه النقطة. اصطدم في شاحنة نقل أخرى. سيصاب بارتجاج خفيف، ولكن لن يكون هنالك مضاعفات إطلاقاً." أنهى رفيقي غريب الأطوار القصة. ونظر لساعته. ثم استأنف "انظر، كيف يمكن للأشياء البسيطة، خلق سياقات الدمار الشامل. يسمونه أثر الفراشة: تخفق فراشك بجناحيها في نصف الكرة الشمالي، تقوم الزوابع والأعاصير والحروب في نصفها الجنوبي. هذا ما حدث في حالتنا هذه. النقاشات تتحول تدريجياً لمرمى رصاص، يقذف فيه كل مشارك حمولته كلها. هذا أمر محزن. البشر معقدون للغاية. معقدون بشكل مرهق. لأنفسهم، قبل كل شيء."
"ماذا كان سيحدث لو قام بتسخين توست جديد لنفسه وتجنب هذا النقاش من بدايته؟"
"الأشياء لا تحدث هكذا. قد تبدو لك الأمور بخيارات متعددة، ولكنها ليست كذلك. لم يكن من الممكن أن يفعل ذلك. أنت ترى غير هذا، نظرًا لكونك ترى الموقف من هنا، أما، في قلب الموقف، تتلاشى الخيارات. تصبح محاصرًا. دون أن تدري. أللهم إلا بعض الأشخاص القلة، الذين يستطيعون التحكم بشكل واسع في نزعاتهم، وخلق خيارات متعددة، في أضيق مساحات ممكنة."
"أعتقد أنك محق. هذا محزن للغاية. ولكننا لسنا كائنات وحيدة الخلية في النهاية. العالم معقد. قبل أن يكون البشر معقدون." قلت ذلك، وأنا أشعر بشيء بدأ يعتمل في نفسي من وصفه لسائق الشاحنة، ولكني تجاوزته سريعاً، فلم يكن الوقت ولا المكان يسمحان. ولكن الغريب، بشكل ما، يحاول التسلل لداخلي.
" أنت محق. نحن كذلك بالفعل." قال ذلك، ثم لفنا الصمت. تحسست زجاجة الماء الخاصة بي، فوجدت الماء قد فقد كل أثر للبرودة، وكانت شمس الصيف تزداد حدتها في السماء. كنت أرتدي تيشيرت بولو أصفر اللون. وأتعجب كيف يطيق رفيقي غريب الأطوار سترته الجلدية، ولكنني كتمت تساؤلاتي لنفسي.
"قل لي، ألم تشعر يومًا بأن -حسنًا، كيف يمكنني صياغة ذلك- بأن حياتك عديمة المعنى؟" بادرني بالسؤال.
"لم أفهم ما تقصد." قلت له، وأنا غير مدرك لما يقصده تحديداً. "ولكن، إذا كنت قد فهمت تساؤلك جيدًا، فأنا أعتقد، أن كل شخص، في مرحلة ما، طالما لم يكن مهديًا بوحي من السماء، فهو يشعر بانعدام إشارات البوصلة، وفقدان حياته لأي معنى ممكن."
"هذا صحيح. كثيرًا ما شعرتُ بانعدام المغزى من حياتي. يشعر البشر بذلك كثيرًا. خاصةً حينما يكونون في خضم عمل ما يتطلب مجهودًا متعدد المراحل، فإنهم في مرحلة ما، يبدأون بالتساؤل: ما الذي أفعله هنا؟ هل ما أفعله الآن، هو حقاً ما أريد أن أكون بصدد فعله؟ هل أتبع حقًا ما يجب أن أتبعه؟" قال ذلك وصمت لبرهة، ثم استأنف دون أن يترك فرصةً لي للرد.
"الحقيقةُ أن ذلك الشعور يكون مؤذيًا للغاية، ومهددًا لما تقوم به. ولا يصيبك سوى في مرحلة حساسة من قيامك بشيء ما. في الوقت الذي تحلو فيه الدعة، وتلذ فيه السكينة الزائفة. هذا موقف عسير. تخيل أنك، قبل إتمام عمل ما، تبذل الكثير من المجهود المضني للغاية، لعقلك وجسدك على حد سواء. ثم تكر فكرة عابرة لا يؤبه لها في عقلك. لا تعيرعا انتباهًا للمرة الأولى. تقوم لتأخد قسطًا من الراحة، وتصنع كوب قهوة ضخم، وأثناء انتظارك غليانها، تعبر الفكرة مرة أخرى. تصب القهوة. تعبر الفكرة ثانيةً. ثم مرارًا وتكرارا. حتى يصبح من الصعب أن تتجاوزها الآن. هل أنا حقاً في الطريق الصحيح؟ هل أفعل ما ينبغي علي فعله؟ هل هنالك، على الإطلاق، معنى لما أقوم به؟" أنهى كلامه، وأخذ يعبث بقلم ما في يده لم أدرك متى أخرجه من حقيبته.
لفنا الصمت ثانيةً بضع دقائق، إذ كنت أفكر فيما قاله، غير عالم بما يجب علي الرد.
"أجل، يصيبني ذلك كثيرًا أعتقد. أنا شخص موسوس بطبيعتي، والأفكارُ، تتردد في عقلي بمعدل أكبر كما يحدث للبشر العاديين، ولذلك فأنا أفهم ما تقصده. هذا شعور قاس للغاية، وخاوٍ تماماً كبيت مهجور في الحرب." قلتُ له، متحدثًا عن وساوسي القهرية كما لو كانت سيئًا عاديًا كالإصابة بالبرد. بيد أنه، لم يبد أنه انتبه لما قلته، أو انتبه ولم يشأ التعليق.
"بماذا تشعرُ حين تنظر للسماء؟" سألني دون مبرر.
"أنظر السماء، فأشعر بالانشراح. الاتساع بهذا الشكل يريح قلبي. أنا شخص يشعر بالضيق داخل عقله، وأن المساحة التي أتحرك بها في الداخل، تقل، ولهذا فالنظر للأماكن الواسعة يريحني ويشرح صدري. تشعر به، كانعكاس لما كنت تريده حقًا بداخلك." قلتُ له، عارضًا الفكرة التي كانت تتردد في عقلي هذا الصباح.
"ولكن، أليس رؤية انعكاس لما تريده ولا تملكه في نفسك، هو شيء مؤسف قليلاً وغير مريح؟"
"ربما، هذه إحدى سبل النظر للأمر. ربما. ولكنه ليس السبيل الوحيد. فكما قلت لك، الأمر يبعث في صدري الراحة. كأنني خرجت من ضيق عقلي، لرحابة السماء. يمر فيها طائر ما، فأشعر بالغبطة تجاهه."
"يمر طائر فتشعر بالغبطة تجاهه. يا لها من جملة شاعرية جميلة." قال ممازحًا إياي دون سخرية.
"هي كذلك بالفعل على ما أعتقد." قلت له.
"أعتقد أنني سأرحل بعد قليل. ولكن قبل ذلك، أريد أن أحكي لك قصة ما. ألديك بعض الوقت للسماع؟" سألني.
"ما لم تأت الحافلة فأنا أمتلك كل الوقت. يمكنك إخباري بما تريد."
نظر رفيق الحافلة للسماء لفترة من الزمن، شعرت معها أنه قد نسي ما سيحكيه لي، ولكنني التزمت الصمت تماماً، حتى بدأ الحديث من جديد.
"أعيش في شقة في الطابق الثاني في أحد المنازل، يوجد لهذه الشقة شرفة واسعة، كنت أقضي فيها وقتًا طويلًا في التأمل، والقراءة كذلك. في أحد الأيام، أثناء قراءتي لرواية المحيط في نهاية الدرب، لا أتذكر تحديداً متى، رأيتُ قطًا يهبط في شرفتي. لا أدري تحديداً هل تسلق من الأسفل، أم هبط من الأعلى، أم ظهر من الفراغ. لم أدرِ كيف وصل إلي. ولكنه على كل حال، اتخذ ركنًا في الشرفة، وأخذ في لعق قدميه.
قد تبدو القصة طبيعيةً حتى الآن. إلا أن هذا القط كان قطًا سفينكس، لونه رمادي. لم يسبق لي رؤية قط سفينكس في الحقيقة إطلاقاً. ولا كل من أعرفهم أعتقد؛ وذلك نظرًا لارتفاع أسعار هذا النوع من القطط بشكل كبير للغاية، ناهيك عن أنه لو رأيت أحدها. فسيكون بالطبع، قط أحدهم، وليس قطًا عشوائيًا يتسلق شرفتي ثم يجلس بجانبي.
نظرت له حينما استقر في مكانه وقلت "مرحبا". صاد الصمت لنصف دقيقة تقريباً، ثم رد القط وهو ما زال يلعق قدميه "مرحبا".
كوني وسيطًا روحيًا -كما اتفقنا على تسميتي- يجعلني معتادًا بشكل ما على الأشياء الغريبة قليلًا. ولكن رؤية قط يتحدث، كان له ثقل على الواقع حتى بالنسبة لشخص مثلي. ابتسمتُ له وقلت "إذن فأنت تستطيع الكلام".
"بالطبع أستطيع، الأمر يتعلق فقط بالرغبة: رغبتي في الكلام، والمقدرة: مقدرتكم على السماع".
"أنت محق. الرغبة والمقدرة. لم أفكر في ذلك من قبل".
"لا أحد يفكر في كل شيء. وكونك ذا بعض القدرات، لا يعفيك من ذلك، أليس كذلك؟"
"أنت محق تماماً". رددتُ عليه. ثم ساد الصمت قليلاً، تذكرت الشاي، فتناولته وارتشفت رشفةً، ثم عرضت عليه بعض الشاي. "شكراً لك، ربما بعض الحليب لو أمكن".
نهضتُ للداخل، وأفرغت بعض الحليب من العلبة، في وعاء صغير، ثم قدمته له.
أخذ يشربه في استمتاع واضح، نفس المتعة التي يتناول بها أحدنا الشاي بعد يوم سيء وثقيل. أنهى القط حليبه، ثم نهض من مكانه وقفز على سور الشرفة، نظر لي مرةً أخرى قائلًا "أراك قريبًا"، ثم انصرف دون انتظار رد. ألقيت نظرةً في المكان الذي قفز فيه، فلم أجد أثرًا له، كأنه قد شق حاجز الزمكان وتلاشى.
كانت هذه هي المرة الأولى التي أري فيها كراون. سميته بعدها بذلك، نظرًا لأنه أخبرني أنه من عائلة مالكة في مكان وزمان ما، وتقبل هذا الاسم مني بعدها. كان كراون يهبط علي من وقت لآخر، يتناول بعض الحليب، ثم نتناقش قليلاً في أي شيء. كان في البداية محتاطًا للغاية، وحذرًا كذلك وربما متغطرسًا بعض الشيء، ولكنه سرعان ما لانت طبيعته وهدأ مزاجه وأصبح لطيفًا إلى حد كبير، بما يسمح به كونه قطًا في النهاية بالطبع.
ما أخبرني به كراون هو أن عائلته من قطط السفينكس الملكية، يختار كل واحد منها حين يبلغ، وسيطًا روحيًا ليصاحبه. فهذه القطط، بشكل ما، لديها نوع من القوة الما ورائية، التي تشبه لحد ما قدرات الأشخاص أمثالي. إذ نكمل بعضنا في النهاية. وأن اختياره قد وقع علي، أو تحديداً، مقدر لي وله أن نكون رفاقًا.
بمعرفتي لهذه الحقيقة، بدأت نقاشاتنا أنا وكراون في اتخاذ مسار جديد. إذ بدأنا نتناقش سويًا في طرق إنقاذ الناس، وتوصيلهم ببعضهم البعض، وأشياء من هذا القبيل.
ما لم أخبرك به، هو أنني منذ فترة كبيرة، منذ حوالي ألف كتاب، لم أتعرف على أشخاص جدد. فقط ألتزم شرفتي، أقرأ مئات الكتب، وأنزل كل أحد لشراء بعض المستلزمات، وبعض اللبن لكراون، ثم أعود للمنزل.
سبب ذلك أنني، آخر مرة حاولت تعديل مسار الأشياء، قمت بخطأ ما، غير مقصود بالطبع، غير مقصود تماماً، ولكن معه، انحرفت مني الأمور بشكل حرج وخطير، كدت معاه أن أودي بحياة شخص ما.
ترك ذلك في نفسي ندبةً ضخمة. وتأذيت أنا أيضًا كثيرًا وكدت أتوه في الاحتمالات للأبد. ولذلك فرضت على نفسي هذه العزلة، العزلة التي دامت لألف كتاب.
احترم كراون رغبتي في هذه العزلة. ولم يفرض علي شيئًا. كان في معظم الأوقات يبيت عندي في الشقة، وفي أيام أخرى يختفي بطريقته المعهودة، ثم يعود بعد عدة أيام، وهكذا.
منذ يومين، كنت أمسك كوب شاي في يدي، وأقرأ الجزء الثاني من سيد الخواتم في الشرفة، كعادتي. كان كراون خارج المنزل وقتها، ثم عاد في الصباح، أثناء قراءتي الصباحية. جلس في مكانه المعتاد. وأخذ يلعق قدمه. أشعرني الأمر كما لو كانت هذه هي أول مرة ألقاه. وليست سنين في الحقيقة.
"مرحبا". قلت له.
"مرحبا، كيف حالك اليوم؟ وماذا تقرأ؟" رد علي.
أريته ظهر الكتاب عن قرب. "سيد الخواتم".
"جميل، اسمع" ترك كراون لعق قدمه حينها ثم نظر إلي "هنالك شيء ينبغي أن نتحدث فيه. أنت منقطع عن العالم منذ فترة، وأنا أحترم رغبتك تماماً، وأترك لك كامل الحرية للتصرف، بالشكل الذي يحلو لك، ويشعرك بالراحة. وأتجنب منذ فترة كبيرة، طلب ذلك منك. ولكن الأمر مهم هذه المرة. ينبغي أن تتدخل لإنقاذ حياة فتى ما." توقف كراون هنا وانتظر ردًا مني. ولكنني لازمت الصمت، وآثرت أن يكمل قصته. فطن لهذا، فاستأنف حديثه.
"...ينبغي أن تتدخل لإنقاذ حياة فتى ما. لن ينجو لو لم تتدخل، لقد نظرت في الاحتمالات، وهي ضده، والوضع سيء جداً. حتى أن جدي قد قدم إلى هنا منذ بضع الليالي، وذهبت معه قليلاً، وأخبرني عن خطورة الأمر هذه المرة وضرورة التدخل. لا مجال للتنصل، إذا فعلنا ذلك ونحينا أيدينا هذه المرة، لربما نفشل في إنقاذ أي أحد آخر". أنهي كلامه بهذا الشكل، تاركًا لي بعض الوقت للرد.
كان كوب الشاي قد انتهى. قمت للغلاية، وكان ما زال بها بعض الماء الساخن، صببت كوبً جديدًا ساخنًا، وأحضرت زجاجة مياه من الثلاجة. ارتشفت قليلاً منها، ثم عدت للشرفة بكوب الشاي.
نظرت مطولًا لكراون. مطولًا للغاية بتركيز خارق، حتى اعتقدت ولو وهلة أن الواقع قد تبدل من حولنا. بهدوء أخبرته "كادت الفتاة أن تموت. كدت أقضي على احتمالاتها في الحياة". ثم وضعت أصابعي على قدمي وأخذت أمعن النظر فيهم، كما لو كُنَّ جديدات بالنسبة لي.
لم يرد مراون مباشرةً. صعد على سور الشرفة، حتى أصبح في مواجهتي تقريباً. "انظر إلي". قالي لي ففعلتُ ما طلبته منه. نظر في عيني مباشرةً، ثم بدأ حديثه.
"لا أحد لا يخطأ. أنت تعلم ذلك. كلنا معرضون للخطر، وصدقني، مهارتك الشخصية، وكونك أحد أفضل الأشخاص من نوعك في هذا القرن، لا ينفي أبداً كونك معرضًا للخطأ. والفتاة لم تمت، أليس كذلك؟ أعني لقد نجت في النهاية. وهذا بفضلك، بفضل سرعة بديهتك وبفضل استعدادك للضياع في سبيل إنقاذها. لقد أصلحت الوضع حينها وأنقذتها. لو كانت تتسلق برج إيفل اليوم، أو تمشي في الريف الإنجليزي، أو تتعبد في التبت، فهذا لم يكن ليتم لولاك."
"ربما في الأساس نحن ننظر للأمر بطريقة خاطئة يا صديقي. أنا لم أنقذها، أنا الذي تدخلت من البداية، وخطأي الخاص، هو الذي قادها للخطر المحدق، لذا فما حدث هو أنني جاهدت لإنقاذها من فشلي الشخصي فقط. لا تجعلنا ننظر للأمر كما لو كان بطولةً أو شيء من هذا القبيل."
"الأشياء لا تحدث دائمًا من تلقاء نفسها. نحن موجودون لتوصيل الناس، للعب دور مهم في نسج الواقع، بالشكل الذي، ينبغي أن ينسج به في النهاية. لو لم تظهر لها من البداية -كما تفترض- كان هنالم ملايين الاحتمال أن تتضرر للغاية، ضررًا كنت ستعجز حينها عن إصلاحه. أجل ربما أخطأت، خطأً عنيفًا كاد يودي بها، نعرف ذلك، ولكن هذا لم يحدث، أليس كذلك؟ تجنبناه، أنت تجنبته، ودفعتها في النهاية لمسارها الصحيح. لا ينبغي أن تفرط فيما تمتلك. لو توقفت الآن، لن يلومك أحد، ولا حتى أنا، أنت حر تماماً، وستظل كذلك، وسأظل صديقك ومرافقك دومًا. ولكنك في أعماقك، تدرك أنك ينبغي أن تتدخل. ينبغي أن تعود للإنصات مرةً أخرى للاحتمالات، والتدخل لتعديلها. هذا قدرك. هذا ما بشكل كيانك." انتهى وصمت صمتًا مطبقًا كأن العالم بلا صوت. كان سرب من الطيور يحلي فوقنا، شعرت بأعينهم علينا، تراقب إلى أين سيأخذنا هذا النقاش.
تناولت الكتاب من جانبي وأغلقته، دخلت ووضعته مكانه في المكتبة، ثم عدتُ للشرفة مرةً أخرى. نظرت حولي. ثم ركزت الأفكار في عقلي بشكل ضخم ومكثف. بدأت تفاصيل الواقع تتلاشى من حولنا. وكأنه طبقة من الألوان المائية التي تتساقط لتكشف عن لوحة أخرى وراءها.
تساقطت تفاصيل الواقع، وحل بدلًا منه، صحراء شاسعة بها رمل بني اللون. لم يعلق كراون. كان يعلم أنني، أحب الانتقال لهذا الواقع الصحراوي، حينما أقرر أن تفكيري في أمر ما سيستغرق وقتًا طويلاً. أحب التفكير وأنا أسير هنا. قمت من مكاني، الذي تلاشى منه الكرسي الآن، وطفقت أسير واضعًا يدي خلف ظهري. تحرك كراون من المكان الذي كان يشغله السور، ثم سار بجواري. صامتين كآليين لا يعرفان في العالم سوى الحركة.
داخل عقلي، كنت أشعر بالتروس تتبدل من واحد لآخر، وبالعوالم تتحرك وتتشابك. بدأت أنصت مرةً أخرى للاحتمالات، وأرى الأشخاص في عقلي. فجأةً غمر الصوت الصحراء. أصوات غير محددة ومتنوعة المصادر. ونحن على صمتنا، كأننا نسينا كيف نتكلم.
ظللت أسير بهذا الشكل مفكرًا قرابة لمدة يومين. كنت أحياناً أستبدل الصحراء بغابة استوائية مطيرة، وأجلس فوق شلال بين سرب من النوارس. رأيت في هذين اليومين احتمالات كثيرة للغاية، للعديد من الأشخاص. حتى وصلت في النهاية للفتى الذي تحدث عنه كراون. تفحصته جيدًا. وتفحصت ما حدث وما سيحدث. فعلت ذلك لفترة حتى شعرت بأن ذلك كاف.
عدتُ للواقع مرةً أخرى. لم يكن كراون موجودً وقتها. وجدت نفسي في مكاني على الكرسي في الشرفة، وكان الوقت ليلًا. كنت جائعًا للغاية. دخلت المطبخ صنعت ساندويتشًا من الجبن الأصفر وكوبًا من الحليب الدافئ، ثم عدتُ للشرفة مرةً أخرى.
فكرتُ مع نفسي، في حتمية كشر الميثاق الذي أخذته على نفسي، والعودة للاستماع للاحتمالات من جديد، والتدخل لأجل الناس. في الحقيقة لا أريد أن يبدو الأمر كما لو أني ملاك صاف، فأنا أيضًا كنت أريدُ فعل ما أفعله. يشعرنس بكياني. يشعرني أنني أنا. أنني شخص ذو قيمة، ويفعل شيئاً ذو قيمة. والنظر للأشخاص لعد عدد من السنوات، كان يجعلني شاعرًا بالرضا. فالله قد جعلني خيطًا يصل بينهم. وكنت لا أجحد بهذه النعمة قط. أنا فقط، كنت خائفًا. ما حدث قد زعزع شيئاً ثابتًا في روحي. وتطلب الأمر وقتًا ومجهودًا وصبرًا خارقين، لبس لتجاوزه، ولمن فقط للتعايش معه. الألم كان كبيراً. ولمن الزمن يخفف وطأة الأشياء.
وأنا غارق في أفكاري، ظهر كراون. استلقى في مقدمة الشرفة كملك فخور. يلعق جلده باستمتاع.
"كم قضيت هذه المرة؟" سألني وهو مستغرث في لعق جلده.
"يومين تقريباً. أو سنة. لست أدري."
"هل وصلت لإجابة؟"
"أجل. أعتقد ذلك. هل تريد بعض اللبن؟"
لقد تناولت فطوري بالفعل."
"أعتقد أنني سأكسر الميثاق الذي ألزمت نفسي به. سأساعد هذا الفتى. إنه يستحق ذلك. يستحقه تماماً. ثم إني، لا ينبغي أن أطل مكاني دون أن أحرك ساكنًا، وأنا أعلم أن حياته وحياة آلاف من الناس ستتغير بسبب تفصيلة واحدة بسيطة. أليس كذلك؟" بحت له بما في صدري. شاعرًا بالحقيقة تتخللني.
"إنك لم تخذلني قط. أنا سعيد لأننا رفاق. أنت إنسان جيد. الأفضل." قال لي، ناظرًا بإلي بعينين تتموجان بدرجات الأزرق.
"شكراً لك يا كراون. أنا ممتن لذلك. من صميم قلبي."
"الآن أنت تعرف أعتقد، من هو هذا الفتى، ولم نحن جالسان هنا." أخبرني رفيق الحافلة، تاركًا لي كل الوقت الذي أحتاجه لأجيب.
لم أعرف في البداية كيف أرد، أو كيف أتعامل مع ما أخبرني به الآن للتو. أقصد، شعرت بعقلي يتوقف كأن أحدًا أغلق كل الأجهدة وفصل مقبس الطاقة. استيعاب ما أخبرني به، كان صعبًا جدًا. ليس فقط، بسبب التفاصيل الميتافيزيقية، كامتلاكه لقط عاقل متحدث، وكقدرته على السفر في عقله والتلاعب بمرور الزمن هناك -وهي أشياء خارقة الغرائبية بالطبع، إذ ليس كل يوم تقابل شخصًا لديه قط فينيكس متكلم- ولكن أيضًا لكونه يخبرني الآن أنه أنقذ حياتي من أحد الاحتمالات المميتة، أو تحديداً ينقذها الآن.
"لا أعرف كيف أرد." قلتُ في النهاية.
"هذا بديهي. خذ كل وقتك. الأمر صعب. أنا أعرف ذلك." قال بصفو حميمي كما لو كان أعز أصدقائي.
"كان من المفترض أن أكون في مأزق الآن. أليس كذلك؟" سألته.
"بلى، أعتقد ذلك. سائق الشاحنة الذي تشاجر مع زوجته، كان من المفترض أن يصطدم بالحافلة. الحافلة التي كان من المقرر لك أن تستقلها. هذا، لو كنت استقللتها بالفعل. لقد قابلت سائق الحافلة البارحة. دار بيننا حوار قصير. ثم انصرف كل واحد منا لحاله. هذا الحديث البسيط. خلق التفرع الزمني، الذي أدى به للتفكير في قضاء اليوم في بيته مع عائلته. والاستمتاع بيوم أجازة رائع. وبالتالي فلن تأتي الحافلة. وبالتالي انخلقت النقطة المناسبة للقائنا، وتفاديك للحادث.
ما أقصده هو أنه، لو كنت استقللتها، فتصرفك هذا كان سيخلق أثر فراشة ضخم. كانت الحافلة ستُصدم بواسطة الشاحنة. وكنت ستتدمر من جراء ذلك. ستصاب إصابةً بالغة، تؤدي لشلل دماغي. ستقضي سنتين في هذا العذاب. ثم ستموت. لن تستطيع كتابة الرواية التي مقدر لك كتابتها. لن تكون ثريًا، ولن تساعد كل الأشخاص الذي من المقدر لك مساعدتهم. وكل شخص لن يُساعد من هؤلاء، كان سيعيش واقعًا بديلًا أسوأ. وهكذا. ملايين الملايين من آثار الفراشات كانت ستُخلَق. ولكنها توقفت الآن. كلها. لقد تم تعديل المسار. أنت آمن، وهم كذلك. أعتقد." قال بنبرة صافيةً وراضية، كأنما تم إنقاذ العالم من الأبوكاليبس الآن. عابثًا بقلمه الرصاص مرةً أخرى، ظل صامتًا تماماً. كأنه مستعد لانتظار ألفي سنة حتى أرد، دون مشكلة.
"ولمَ لم تكتفي فقط بالتدخل والتحدث مع السائق، وبالتالي لن تحتاج للقائي إطلاقاً؟" سألتُ بشكل مباغت.
"لأن تغيير المسارات ليس خوارزمية تتبع خطوات، وإنما هو اتباع عام لشعورنا فقط، بأين يجب أن نتدخل. كما أن هذه النقطة في الزمن، كانت محورية جدًا. لذا تطلبت تدخلًا ثنائيًا: إثناء السائق عن القيادة اليوم. وهذه هي الخطوة الثانوية، ثم الخطوة الأساسية وهي خوض هذا الحديث معك. وإبقاؤك في هذا الوقت آمنًا. الوقت الذي كان من المفترض أنك تستقل فيه حافلة -وكان بالفعل يمكن أن تكون واحدةً أخرى، مما كان سيؤدي لنفس النتيجة- ثم نقاس كل هذا معك. هكذا قد تبدلت المسارات تماماً. بشكل لا رجعة فيه."
حتى بعد مرور خمسة عشر عاماً الآن، لا تظل تلك واحدة من أغرب اللحظات في حياتي. أعني، كل شيء يمكن محاولة استيعابه، إلا حين يخبرك شخص ما بأنه قد غير مسار حياتك كله، ثم يقص على مسامعك الواقع البديل الذي كنت ستعيشه. كانت تلك لحظة شديدة الغرابة. ذُهلتُ جدًا. وشعرتُ بأن العالم غير حقيقي، أو أنه يوشك أن يتداعى في أي لحظة، أو أنني الذي أوشك على ذلك. لم أعرف. بدا كل شيء.. مبهمًا.
"أشعر بصعوبة بالغة في استيعاب ذلك. أعني، لقد أخبرتني الآن بمستقبلين. أنا ممتن بالفعل، لكوني الآن، بمساعدتك، سأسلك الأفضل. ولكن، أعني، هذا صعب على الفهم." قلتُ مشتتًا، غير مدرك كيف أجمع الكلمات. ثم فطنت لشيء فجأةً، فقاطعته قبل أن يبدأ كلامه. "أنا أحاول البدء في كتابة رواية بالفعل. لا أعرف كيف أفعل ذلك، ولكنني أشعر بالأحداث تنساب في عقلي، من وقت لآخر. كما لو كان تجليًا."
"أعرف أن الأمر صعب جداً. دائمًا ما يعاني الأشخاص في استيعابه. ولكن الحياة ليست هي ما نعرفه فقط في النهاية. أليس كذلك؟ إنها أعقد من ذلك." قال ثم استأنف. "أما بخصوص الرواية، فهي ستنجح. ستصبح أعجوبة حينما يحين الوقت. وستتبدل حياتك بالكامل. أنا سعيد لأجلك. تستحق ذلك تماماً."
"هنالك شيء في عقلي الآن. أليس إخبار المستقبل، يهدد حدوثه بالفعل؟" سألته.
"ليس دائمًا. وأنا لم أحكي لم مسارًا محددًا. حكيت لم الخطوط العريضة فقط. فمعرفة أن رواياتك ستنجح، ليس كافيًا لكي تنجح بالفعل. فستعيد كتابتها كثيرًا في البداية. عند أي مرة ستتوقف وستشعر ببعض الرضا؟ نحن لا ندري. أنت لا تدري أقصد، أما أنا فأفعل. على كل حال. المستقبل ما زال صعبًا ومبهمًا، وغريبًا وفي أغلب الوقت غير متوقع. ولكننا الآن قد -لا أدري كيف أصوغ ذلك- قد دفعناه إنشًا أكبر في اتجاه أفضل. وسحبناه إنشاً زائدًا من الاتجاه الأسوأ. لقد أوقفنا أثر فراشة خارق، كان يوشك على خلق الملايين غيره. هذا هو ما في الأمر.
قد يبدو مستقبلك واضحًا الآن. ولكنه ما زال غامضًا. هو فقط، لن يكون كما كان سيصبح عليه لو لم نلتقي. وأنا سعيد بذلك." أنهى كلامه ثم ارتشف رشفةً من العصير الذي فوجئت أنه ما زال موجودًا.
"فهمت أعتقد. بدأ في عقلي في الاستيعاب قليلاً. أعتقد أنني، مدين لك، أليس كذلك؟"
"أنت مدين بالفعل. ولكن ليس لي تحديداً. أنت مدين لكل الأشخاص الذي ستصبح مساعدتهم منوطة بك في المستقبل. حافظ على ذلك. حافط على نزعك مساعدة الغير. ورد الدين لمن يستحقه."
"شكراً جزيلاً لك. لا أعرف كيف أعبر عن مشاعري الآن. ولكنها أرهف من فراشة." قلت له، وأنا أشعر بتضارب في مشاعري وأفكاري، كأنني قد انتقلت بين الواقعين البديلين بالفعل.
"أعتقد أنه يجب علي الرحيل الآن. لقد انتهى دوري." قال وهو يهم بالنهوض.
"هل سنتقابل ثانيةً؟" سألته.
"ربما يا صديقي. ربما. لا شيء مضمون. كلها احتمالات مبعثرة على الطاولة. ونحن لا نعلم أيها سيقع موقع التنفيذ. ولكنني سأحرص على أن أراك ثانيةً." قال وقد ارتدى حقيبة ظهره.
"شكراً لك. من كل قلبي. أريد في النهاية فقط سؤالك، كيف أوشكت أن تودي بحياتها؟" دفعني الفضول التام لسؤاله.
"ربما حين نلتقي مرةً ثانيةً أخبرك." قال غامزًا لي بعينه. ثم رفع يده مودعًا، وانطلق مبتعدًا.
شعرت بالاضطراب في قلبي، وأنا أشاهده يسير مبتعدًا. كان يمشي برصانة.
الآن، بعد خمسة عشرة عام لا أدري هل كان كراون يمشي بجواره. أم أنني توهمت ذلك فقط.
بعد مرور هذه السنين. وتقلبي بين نسيان وتذكر هذه القصة، فقد تحققت نبوءة صديقي رفيق الحافلة غريب الأطوار. إذ إنه، انتهيت من الرواية. وهي الآن في بداية منحنى نجاحها غير المتوقع. في أحد حفلات التوقيع، رأيته. كان يرتدي نفس السترة المميزة، ويحمل نفس الملامح الهادئة العارفة. رأيته يدخل في نهاية حفل التوقيع. حينما رأيته، ابتسم لي، ثم غادر منصرفًا.
خرجت وراءه مباشرةً، ولكني لم أجده. سرتُ مبتعدًا قليلاً. وفي أحد المقاهي ذات الجدران الزجاجية، رأيته جالسًا يمسك برواية شجرة تنمو في بروكلين
"هل تنتظر منذ الكثير من الوقت؟" قالي لي وأنا أجلس.
"منذ خمسة عشر عامًا تقريباً." قلت له.
"أتدري، ليس كل انتظار، يثمر في النهاية بما تريد. فقضاؤك هذه السنين، منتظِرًا، لا يضمن لك على الإطلاق أنك ستحصل على ما تود، أو أنك سيتظفر، أو أنك ستذهب إلى حيث تريد." قال لي، بنفس النبرة الهادئة.
"ربما أنت محق. ولكن الحظ يلائم المثابرين." أجبته بثقة.
ابتسم للغاية بسبب ردي. "لقد تغيرت." قال وهو ما زال مبتسمًا.
"وأنت تقريباً لم تتغير إطلاقاً. أفتقدك."
طبت وطاب قلمك ،
ReplyDeleteمنذ أكثر من ساعة ونصف وأنا أتفحص كتاباتك بتويتر ، انتهاء بتلك القصة القصيرة الطويلة ،
، أعتقد أن قلمك أكبر من عمرك بكثير وإن واصلت المسير فسنري اسمك لامعا يوما .
براڤو 💛
متشكر جدًا جدًا جدًا جدًا جدًا من كل قلبي على التعليق اللطيف للغاية دا. وسعيد جدًا إن أمضيتي دا كله تقرأي في كتاباتي واستحسنتيها، أنا سعيد بدا خالص فعلاً.
ReplyDeleteوشكراً كمان عشان رأيك في كتابتي بصفة عامة وقلمي. متشكر جدًا. 💙
💛💛💛
ReplyDelete