الاضطراب، التشوش، الضياع، الضغط، التوتر...
لماذا تفشل اللغة في وصف المعاناة يا أصدقائي؟
أعني، كل الكلمات لا تصل العمق. الاضطراب، التشوش، الضياع، الضغط، التوتر، التهشم، الانحلال، التشظي... كلها أشياء، توحي فقط، ولكنها لا تصف. قد تبدو لك هذه الكلمات وما شابهها أنهن كلمات صخمة، وعنيفة، ومعبرة. ولكنها في النهاية فارغة. وضبابية. ولا نستخدمها، إلا لأن اللغة، تفشل عن توصيف الألم. لذا فعند التعبير عن المعاناة، نستخدم ألفاظًا تحوم حولها فقط. أي حول المعاناة، وحول الألم.
أتدرون يا أصدقاء؟ الأمر يشبه تناولك للطعام. إذا تناولت طعامًا جيدًا. تقول عنه أنه جيد. ولذيذ. ورائع. ومبتكر. ولكنك في حقيقة الأمر، عند قولك ذلك، لا تعبر عن مذاق الطعام الحقيقي في النهاية. إطلاقاً. لن تستطيع الكلمات، وصف مذاق الطعام كما استوعبته براعم تذوقك وترجمتها الخلايا العصبية في عقلك. هكذا هي المعاناة.
كثقب أسود. نحوم حوله بالأوصاف، أما لو اقتربنا حتى ندخل أفق حدثه، فإنه يبتلع اللغة تماماً. وتفشل محاولتنا، لتوصيف شعورنا بالمعاناة وبالألم.
الألم صامت، والمتألم أبكم.
استنتاچي الشخصي، أن الشيء الوحيد المجدي، هو إيجاد شخصلا يحتاج إلى كلمات ليفهم ألمك الخاص. شخص يسمح لك بالتدفق إلى روحه، وبثه الشكوى حتى دون استخدام كلمات معبرة أو توصيفات محددة. شخص يربت على كتفك يخبرك ألا تقلق. يهمس لك كلمات الطمأنينة برفق. ويحتضن يديك بين يديه، مانحًا إياك -بشكل ميتا فيزيقي يعجز العقل عن تخيله تماماً- كل محبته وتفهمه، إلى روحك المنهكة. وبنفس الطريقة، تنساب المعاناة الخام، منك إلى روحه. لا ليعاني، ولكن ليتفهم ويتصور، دون تبادل كلمة. تصبح يديك بين يديه، قناةً تتدفق منها تداعيات النفس في كلا الطريقتين. تبثه الإرهاق، ويمنحك المحبة.
Comments
Post a Comment