"أي مكان تكونين فيه يشبهُ السماء."
المساحةُ التي يمكنني التحرك فيها داخل عقلي، تقل كل يوم عن سابقه. كأنك تسكن غرفةً ما، وكل يوم، يتحرك كل جدار للداخل بمقدار سنتيمتر واحد. بعد مرور عدد كاف من الأيام، ستبدأ في الشعور بالاختناق، وسيصير كل شيء ثقيلًا تدريجياً. أتفهم ما أحاول قوله؟
لذلك أنا أرنو للسماء كثيرًا. وأحب المساحات الواسعة. لا أنا لا أعاني من الكلوستروفوبيا، ولكن الأماكن الضيقة تزعجني. إذ أشعر بها وكأنها انعكاس لما في عقلي من ضيق وازدحام. أرنو للسماء، فينشرح صدري. وأرى طائرًا يحلق بحرية، فلتملؤني الغيرة.
"إلى أين نذهبُ اليوم؟" تسألُني. فأختار نفس المكان للمرة الألف. لا لشيء بقدر ما لاتساع المكان، وتصميمه الذي يجعلني لا أشعر أني في محاكاةً لضيق عقلي. وهي لطيفة، تعترض بمرح، ثم نذهب في النهاية لنفس المكان. من المهم للغاية في هذا العالم غريب الأطوار، والذي يسكنه بشرٌ غريبوا الأطوار، أن تمتلك شخصًا يتفهم غرابة أطوارك الخاصة. ومشكلاتك الوجودية، وتفضيلاتك الغريبة. أعني، كم مرةٍ سيعيش الواحد منا؟
في الحقيقة، حين أمعن التفكير في الأمر، أجد أن الضيق بحد ذاته ليس هو المشكلة. ولكنها تكمن أكثر، في رغبة عقلي القهرية، للتحرك بمقدار أكثر مما يتيحه المكان. لما كانت الغرفة فارغة، كنت أجلس في مكاني في منتصفها على كرسي بلا أقدام كراهب بوذي متنور. عندما بدأت الجدران في الانقضاض للداخل، بدأت تنمو لدي الرغبة في التحرك. وحين أصبح الوضع ضيقًا بشكل ما، صرت لا أقدر على منع نفسي. ولما صار المكان لا يكفي سوى للالتفات، أصبحتُ أرغب - بشكل هيستيري- في فرد أطرافي والجري وممارسة الرياضة والتمدد، وكل نشاط آخر يتضمن التحرك في حيز كبير. عقلي يعاندني. لو كان لي من المقدرة باع أكبر قليلًا، لاستطعت التأقلم مع الضِيق، حتى يرحُب المكان بي مرةً أخرى داخل عقلي. ولكني محدود المقدرة، مُنهك. أُقبلُ على النوم كل يوم، وأنا أفكر: سوف أسيطر على عقلي غدًا. والمساحة الضيقة، سأتقلم فيها. ثم في الغد، لا شيء. أفقد صوابي لضيق المكان، يصيبني الجنون. أهدأ. يصيبني الجنون مرةً أخرى. وهكذا. فتتكرر الحلقة المفرغة من الضيق والانزعاج مرارًا وتكرارًا.
"إلى أين نذهب اليوم؟" تسألني.
"أي مكان. أي مكان تكونين فيه يشبهُ السماء."
Comments
Post a Comment