انبثاقُ زهرةٍ ذات لونٍ مُغاير.
أعيش منذ عدد كبير من السنين، لا أعرف منذ متى على وجه الدقة، في عالم من الرمادي. كل شيء في عالمي يبدو بالرمادي. الزهور والأشجار والسحب والسماء والتراب. الماء والمنازل والحشرات وحيوانات الغابة، وأنا. كل شيء يبدو بالرمادي. بمختلف درجاته. قضيت الكثير من الوقت أفكرُ كيف يكون الأمر حين نرى لونًا آخر. لعلك تتساءل الآن، كيف علمت بوجود غير الرمادي من الأساس؟ سأخبرك. منذ مدة، واعذرني لعدم تذكري، رأيت حلمًا ما. في هذا الحلم، رأيت زهرةً بلونٍ غير الرمادي. في محيط تام من الوعي الرمادي، انبثقت زهرةٌ بلون مغاير. حينها استيقظت بقناعةٍ جديدة، مفادُها: أن العالم يُمكن -يمكن- أن يحتوي لونًا آخر.
منذ ذلك اليوم، وذلك الحلم، لم تعد حياتي كما هي. صرتُ أسيرُ كل يوم بطيلة النهار، محدقًا بشكل هيستيري في كل شيء، لكي أرى ما رأيته في حلمي مرةً أخرى. ولعدد من الشهور، ومئات الأيام، أفعل الشيء نفسه. لم أكن أعرف الملل تحديداً، لا أعرفُ أي شعور آخر بشكل محدد في الحقيقة. إذ أن كل شيء رماديٌْ بالنسبة لي. ليس فقط الألوان في عالمي، ولكن الأشياء في عقلي أيضًا. كل شيء. لذلك كنت أعود كل يوم بشعور رمادي من الخيبة وآخر رمادي بالأمل في غد أفضل أجد فيه ضالتي.
بعد الكثير من الوقت، فقدت الأمل بشكل ما. وبدأتُ أفكر، في أن ما رأيته في حلمي كان درجةً أخرى من الرمادي فحسب. أو أن عقلي يخدعني. أو أنني، لم أحظَ بذلك الحلم قط.
عدتُ لممارسة حياتي مرةً أخرى، مثلما كنت أمارسها فيما مضى. تعلمت الترحيب بالرمادي، واعتناقه، وتقبله، بل وتقديره. باعتباره يكوِّن كل عالمي ووعيي. وكففت عن التفكير في العوالم الأخرى. حيث يوجد اللون الآخر الذي ظننت أني رأيته. تجاوزتُ الأمر تماماً. صرتُ كل صباحٍ، أشعر بالامتنان نوعاً ما للعالم الذي يحويني، ولتنوعات الرمادي الشاسعة، والتي -بشكل عملي- تشكل واقعي ووعيي.
مر عدد جديد من السنوات، وفي صباح أحد الفصول التي يكون طقسها معتدًلا -ومعظم الفصول كانت كذلك في الحقيقة-، استيقظت لأستأنف روتيني اليوميّ المعتاد. صنعتُ كوب شاي وأخذته لشرفة الطابق الأرضي. في الحديقةِ، رأيتُ الزهرة التي رأيتها في أحلامي. منبثقةً بلونها خارق التميز. كان الأمر -لا أعلم كيف أشرح ذلك لك- يشبه تسليط شعاع من الضوء الشديد، في نفق حالك الظلمة والسواد. ولعلك تتساءل، كيف أعلم أنه يوجد لون للضوء، ولون للظلام؟
حسنًا، لقد عشت بعد حادثة الزهرة عشرات وعشرات السنين الأخرى. وخلال ذلك. زرت عوالم كثيرة، وقابلت الكثير من الأشخاص. وبمساعدة كل جماعة، عرفت لونًا جديدًا. حتى صرتُ في النهاية، أعيشُ في عالم ملون. لربما لا يحتوي على كل الألوان، ولا حتى، على ما يراه بعض جماعات البشر، أو معظمهم. ولكنني، على الأقل، هجرتُ الرمادي أخيرًا. صرتُ حين أراهُ في مكان ما، أرحب به كصديق قديم، تقبلته وتقبلني للكثير من الوقت، ثم أمضي.
❤️❤️❤️❤️❤️❤️
ReplyDelete