غرفةٌ لتخزين الحاجيات عديمة النفع.
نـصٌّ-طـويـلٌ-للـغـايـة.
تخيل أن عقلك غرفة لتخزين الحاجيات عديمة النفع. يغزوها الفوضى والعشوائية، وتزاحم الأشياء، التي لا تمت لبعضها البعض بصلة، بجوار بعضها البعض، بل، وبداخل بعضها البعض، بتشابك مبهر. لا مبهر كالأشياء الجميلة المبهرة. كالقلادة التي ترتديها فتاة جميلة تسير تحت شمس ظهر أغسطس وتلتمع بضوء هذه الشمس، وإنما، مبهر ككابوس سيء تستيتقظ منه فزعًا وكأن ناقلة شحن عملاقة مشت فوق روحك فسحقتها من ثلاثة أبعاد لبعدين.
تصورت الآن ما أتحدث عنه؟ جيد. جيد للغاية.
تخيل أنك، تضطر للخوض داخل هذه الغرفة كل مرة، تحتاج فيها شيئًا صغيرًا ببساطةِ ملعقة، أو ساعة يد، أو حتى شاحن هاتف. تغوص في أطنان من اللا معنى، والأشياء البالية، وتقضي ساعات بأكملها، حتى تخرج في النهاية بما أردت. ولكنك حينها، تكونُ، قد فقدت بالفعل رغبتك في هذا الشي، أو احتياجك له. أو، تجردت من الواقع لحظيًا ليفقد كل شيء معناه. فتخرج من الغرفة، رجلًا ثقيل الروح مثقل الكاهلين ومنهزم نسبياً، مع ملعقة، أو ساعة يد، أو شاحن هاتف، عديمي الفائدة.
لا شيء أفضل على الإطلاق من كوب شاي جيد في أيامك السيئة. كوب شاي متوازن. المدهش في الأمر، أن الفكرة لا تكمن في مقدار السكر، أو مقدار الشاي، أو شكل القدح. بالطبعِ، هذا الأشياء تؤثر، ولكنها ليست العامل الوحيد. لأنني في خلال اليومين المنصرمين، صنعت كوبَي شايٍ لي، وصنع أبي اثنين آخرين لي أيضاً. وكان القدح واحداً. والمقادير واحدة. ملعقة ونصف من السكر، ونصف ملعقة من الشاي. كان كوبيه متوازنين للغاية. للغاية. أشعر حين تناولهما بذلك الكمال السحري الذي يخيم على كيانك حين تتناول كوب شاي متوازن. وكان الشاي الذي صنعته أنا مملًا للغاية، يتراوح بين عديم الطعم في أسوأ الحالات، لمقبول في أفضلها.
في ظل فترة مملة من عدم القدرة على الاستمتاع بالطعام مهما بلغت جودته/مهما بلغ مقدار الجوع، يصبح كوب شايٍ جيد، ومتوازن، نعمةً تستحق الشكر. ومتعةً تثيرُ الإيفوريا في نفسك تماماً.
في إطار أيامٍ مطولةٍ من المرض، والبحث العدمي عن شيء يصلح للقراءة لقتل الوقت حتى ننام مجددًا وتسكن عقولنا، وإن كان هذا لا يحدث قط تقريباً، وعلى أحد جروبات التيلجرام، والتي أضافني لها أحد رفاق تويتر، ويسمي نفسه موراكامي، ولا أعرف ما اسمه الحقيقي، ولكنه يتصور بالكتب أحياناً، وجدت ثلاث روايات لموراكامي لما أقرأها من قبل، كانوا أول ما كتب، أعتقد، لو أن الترجمة توافق في عقلي معرفتي بأسماء أول كتبه بالإنجليزية. أيًا يكن، فالإطار الزمني الذي، كُتبت فيه هذه الروايات، يجعلها إما أول ما كتب، أو في بداية ما كتب. أيا يكن، قرأت أولهم بالفعل. ممل. ممل وسلس للغاية. سرد عشوائي ليوميات زوج عاطل عن العمل وأشياء غريبة وغرائبية تحدث له. لا أقول أنني لم أتقبل الأمر، أو كان الملل ثقيلًا للغاية على قلبي. بل تحملته، وأنهيت الكتاب في يومين أو ثلاثة بالكثير. ولكنّ آخر سبعين صفحة، كان وصفًا جامدًا للغاية، لأحداث حرب ما بين اليابان وروسيا على مكان ما في منغوليا، أو شيءٍ كهذا. وقد أصابني الأمر بضجر خارق. ولكنني في النهاية تمكنت من تجاوزه لجزء أفضل قليلًا، ثم انتهت الرواية. حمّلتُ الجزء الثاني، ولم أقرأه بعد.
بدأت بعدها، في كتاب يدعي لا أحد يرثى لقطط المدينة. عبارة عن مجموعة قصصية. وهي جيدة. ولكن اللهجة المصرية ليست من الأشياء التي أحب قراءتها. ولا أحب القراءة عن المجتمع المصري بشكل عام. كنت أظن أن ذلك شعوري ناحية المجتمع في فترات الثامنينات والتسعينات فقط. ولكني أدركت أنه شعور شامل تجاه كل فترات المجتمع. ولكن المجموعة القصصية بشكل عام مسلية وجيدة. انتهيت من نصفها تقريباً.
في الأيام السيئة، السيئة للغاية، لا تتمنى سوى وجبةٍ جيدةٍ وكوبِ شايٍ متوازن، مع شخص تحبه، في مكان جيد. وطقس صباحي معتدل. هذا كفيلٌ بجعلك تشعر بعدها، أن آلامك الجسدية نفسها، لا الروحية فقط، تسكن، وتلتئم. بالفعل لا يلتئم كل شيء بشكل كامل، وهذا بديهي، ولكن، بشكل عام، تشعر بأنك أفضل. جسدُك أفضل، وروحُك أفضل.
لا ينبغي أن يقسو المرء على نفسه كثيرًا فوق ما يطيق. لا بأس طالما في النهاية، تظلُ الشياطين في الداخل. تصيرُ شياطينُ الواحد منا شياطينًا، فقط لو سُمِح لها بالخروج. أما ما عدا ذلك، فلا ضير في اقتناء الشوك بحديقةٍ، لن يدخلها سواك. طالما أنك لم تزرع هذا الشوك. أنت فقط تتعايش معه، وتحرص على قمعه باستمرار. حتى تواتيك المقدرة لاقتلاعه تماماً، ولكن، وحتى يتم ذلك، فأنت تحرص على عدم إيذائه أحد/عدم نموه أكثر مما تحتمل أسوار الحديقة.
أتذكر كلام دامبلدور في النهاية، أن السعادة يمكن أن توجد، حتى في أحلك الأوقات المظلمة، فقط لهؤلاء الذين يتذكرون إشعال شمعة.
Comments
Post a Comment