طريقٌ طويلٌ مفعمٌ بالوحشة.

إن الطريق طويل، طويل للغاية. ومفعم بالوحوش والعفاريت وعقلِك، والظلمة التي لربما لا يجلوها شيء. فأنت لا تفقد فيها طريقك فقط وينقصك الإرشاد، وإنما -ويا لك من مسكين- تُعاني من أشد مخاوفك، حين لا تدري ماذا تواجه/متى تواجهه.

شيء آخر مُؤرق في الأمر ها هنا، ألا وهو اهتزازُ يقينك تجاه ما تخوض الظلام لأجله. فأنت، في كل اللحظات، لن تمتلك يقينًا كافيًا تجاه ما تتجه صوبه. فتقول: ما الذي يدفعني، للخوض في الظلام، بين الوحوش والعفاريت وعقلي؟ هل يستحق الأمر في النهاية، كل هذا الخوف واهتزاز الكينونة الشديد؟ لن تجد إجابة. لن يكون هنالك إجابات. الإجابات تكون للأسئلة الصحيحة، وأنت لا تدري هل سألت أسئلتك بشكل صائب أم لا. ولا تدري شيئًا في الحقيقة. ولو حتى تراه بعينك بكل وضوح.

ولكي لا تحلق مع خيالك، دعني أفصح لك، بأنني لا أتحدث عن بداية كل الطرق الضبابية. تلك البداية، التي فيها، وإن ثبت اهتزاز يقينك، وغلب نزعتك الشجاعة، فيمكنك أن تستدير. أن تغادر الظلام. أن تدخل بقعة الضياء مرةً أخرى. وأن تستأنس بكل من لم يغادرها.

وإنما، أتحدث عن منتصف الطريق، البقعة خارقة الوحشة، خارقة الاهتزاز، خارقة الابتعاد عن الواقع. البقعة التي لا يمكن الهروب منها، فهنالك، لا أنت في مستهل الطريق، فتأخد خطوة للخلف، وتأمن. ولا أنت في منتهاه، فتأخد خطوة للأمام، وتنتصر. وإنما أنت عالقٌ بشكل سيء. سيء للغاية، وموحش للغاية.

لا أعطي بهذا الوصف، تقريرًا تشاؤميًا عن الرحلات غير مأمونة العواقب/شديدة الوقع على الأشخاص، وإنما، أتحدث بموضوعية فقط، وسرد للتفاصيل الصغيرة. تلك التي تكبر وتتشوه، حتى تصير غيومًا سوداءَ تُبرق وترعد في سمائك كل لحظة بلا توقف. حين تخوض طريقًا ما، خاصةً ولو كان طويلًا، تتعلم -مجبرًا لا بمحض إرادتك- احترام التفاصيل الصغيرة. فكل شيء، بمعنى كل شيء، يمكن أن يصير مؤثرًا. ويمكن أن يصير ضخمًا. ويمكن أن يؤثر في كل شيء سواه.

أللهُ يُؤمِّنُ كل مُرتَحِلِ.

Comments

Popular Posts