لا أنتقي سوى التعبيرات المبتذلة على الدوام.

أستغفر اللهَ العليَّ العظيمَ من الحزن العميق المظَلِّل، برغم السابغات.

أتيقن كل يوم أكثر من سابقه، بأنني أفقد إنسانيتي كل يوم بمعدل مطرد مخيف، ولست أعني بالإنسانية -في الحقيقة- المشاعر والمواقف والفضائل - وإن كنت أفقد منهم بالطبع-، وإنما أصوب ها هنا، نحو القدرة على التعامل مع البشر، أو الانخراط في أي جهد جماعي، أو الحديث المطول مع أي شخص، أو الحديث المقتضب، أو الحديث عامةً بجميع شاكلاته، وأو حتى القدرة على صياغة أي فكرةٍ بسيطةٍ عن أمرٍ لا يُوبَه له حتى.

وفي ظل الهيكلة الجديدة لإنسانيتي، والتي أشعر بضرباتها طوال الوقت، يتراءى لي العالم كمن ينظر للمشهد المسرحي من مقاعد الجماهير، أو للوحة شهيرةِ من صفوف الزوار، أو من أعلى ملقيًا النظر على الدمى، أو أي تشبيه آخر يتأتي لبالك في هذا الصدد، شريطة أن يكون غير مبتذل، مع أنني -واعذرني لذلك- لا أنتقي سوى التعبيرات المبتذلة على الدوام. كما تعلم، كرهنا للشيء، لا ينفي بالضرورة قدرتنا على تجنبه. على أن شعوري بالمراقبة لا الانخراط، ليس يعفيني من الألم ووخزات الضمير، لا يعفيني من أي شيءٍ في الحقيقة، بل وعلى النقيض، إنه يضاعف المأساة كونه يجعلك تظن أنك غير مرئي.

سأظل ألف عام، أفكر في الأجزاء التي أحبها، من قصائدي المفضلة، أو من موسيقاي الأثيرة، أو من وجوه الجميلات التي أراها في غمرات الحياة ثم لا أراهن ثانيةً، وبرغم كل ذلك، وكل ما يمكن أن يفعله أي رجل آخر ليدرأ عن نفسه الحزن، إلا أنني سأظل كما أنا، مملًا وسيئًا ومستاءً، ذلك أن الله لا يغير ما بقوم، حتى يغيروا ما بأنفسهم، وأنا -يا صديقي- لست قويًا لأغير ما بنفسي، ولست مؤمنًا لكي يلهمني الله تغيير نفسي فيغيرني.

في غمرة الرمادية، دعني أخبرك أنني لو كنت جنديًا فلن أتخطى ذلك غالباً وسأموت مهمشًا في معركة لن يسمع بها أحد، ولو كنت قسًا فسأظل كذلك، مُلقىً في كنيسةٍ نائية، وذلك ليس لأن أمي ليست كأمِّه، بل أمي أفضل بالطبع، ولكن لأنني -وللأسف- لست بيكاسو.
لا أدري.

أستغفرُ الله العليَّ العظيمَ من القنوط.

Comments

Popular Posts