السيد ناكاتا لا يشعرُ بالملل.
كان السيد ناكاتا لا يشعر بالملل. يستطيع أن يبقى النهار كله يراقب القطط حتى يعثر على القط المكلف بإيجاده. طوال هذه المدة، لا ينتابه شعور بالملل قط.
أما أنا فينتابني الملل كثيرًا، ليس فقط، لأن العالم مملٌ بما فيه الكفاية، ولكن أيضًا، لأنني ممل كذلك. لذا يمكنني القول، وبكل صدق دائمًا، أن كل صولاتي جولاتي -إن جاز لي تسميتها صولاتٍ وجولاتٍ بالفعل- كانت محض محاولاتٍ مستمرةٍ، لجعل عالمي أفضل، وأقل مللا.
بالحديث عن الفضيلة، حين أفكر في الأمر مع نفسي، أجد أن الفضيلة برغم نصاعة ذكرها حين تُذكر، إلا أن مفهومها يظل هلاميًا نوعاً ما في النهاية. على أنك إن سألتني "قل لي يا فارس، ما هي الفضيلة؟" فسأرد عليك غالباً وأقول: "هي كل فعلٍ لا يسبب الأذى، بل يقلله، ولا يُورث الشعور بالندم، بل الرضا. هذه هي الفضيلة." أما إجاباتنا عن الأمر، بأن الفضيلة هي فعل الصواب، فهذا هو عمدة الأجوبة العشوائية. لأن الصواب مفهوم نسبي، والصواب لدي، يختلف تمام الاختلاف عن الصواب لديك، ولو تُركت زمام الفضيلة لرؤية الصواب من عدمها، سيصبح الأمرُ، حسنًا، كارثيًا.
ما هو العالم الحقيقي؟ سؤال هلامي آهر. هل العالم الحقيقي، هو الأشياء التي تحدث في العالم من حولك، وتستطيع رؤيتها والشعور بها، والتأثر بها والتأثير عليها؟ أم هو، بنظرةٍ أخرى، ما يحدث داخل عقلك، باعتبار إن كل المعطيات التي تصل إليه، هي محض ترجمة تختلف من عقل لعقل ووعي لوعي؟ شيء محير. حسناً، هل يمكننا اعتبار، أن العالم الحقيقي، هو المنطقة المشتركة، بين ما حدث بالفعل، وبين ما أوصله إليك عقلك بشكل أمين هذه المرة؟ لست أدري. هل العالم الحقيقي، هو الشيء الذي يتفق عليه مجموعة من الناس؟
سأل كوماتسو "قل لي يا تنغو، بما إنك روائي، فما هو تعريفك للعالم الحقيقي؟"
"حينما تغرز إبرة في جسد إنسان، فيخرج منه دم أحمر، هذا هو العالم الحقيقي."
أريد أن أقول، أنه ربما، في النهاية، أكتشف أخيرًا، أن الناس لم يكونوا ضحايا كما ظننتهم. وأنهم، وفي كثيرٍ من الأحيان، كانوا يستحقون ما دافعت عنهم ضده. إن الناس لا ينالون فرصة معرفة، كمِّ المعارك الأخلاقية، التي نخوضها ضد أنفسنا وشياطيننا، فقظ لتجنب خلق الأذى من العدم، أو أقله، تجنب رد الأذى بأذىً مماثل. ولكنه، وفي المقابل، يؤذيني ويحيرني عدم تردد الناس في خلق الأذى ضدنا. لربما تتساءل: كيف أجزم أنهم لم يعانوا في معارك اخلاقية هم أيضاً؟ أقول لك، وبكل ثقة، أن الأذى الذي يخلقونه، يكون أذىً بدون دافع أو مبرر سابق، أذىً للأذى فقط، وهذا واحد مما يثير صدمتي في دواخل الناس دائماً. أما الأذى الذي نتردد في خلقه، ولا نخلقه في النهاية، فيكون دائماً وأبداً ما شاء الله له أن يكون، مجرد رد فعلٍ فقط.
هذه قد تبدو كنظرةٍ دونيةٍ مني تجاه الناس، ولكن، صدقني، العالم موحشٌ، للغايةِ، في كثيرٍ من الجوانب.
إن ما يمنعنا عن رد الأذى بأذي طول الوقت، وصدقني، لن يَفُتَّ الذنب في عضُدنا وقتها، هو الفضيلة، الفضيلة وفقط.
Comments
Post a Comment